Page 44 - merit 38 feb 2022
P. 44

‫العـدد ‪38‬‬                        ‫‪42‬‬

                                                     ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

   ‫تصدير شخصية «الست»‪ ،‬وهو ما أقلق مضجع‬                  ‫ُمتخيل؟! أشك أنهم فعلوا‪ ،‬لكن يقيني أن هؤلاء‪،‬‬
    ‫كل «الكلثوميين»‪ ،‬وحرك الماء في بركة نشوتهم‬          ‫وهم ُكثر‪ ،‬إنما لا يملكون ملكة الجرأة على تفكيك‬
     ‫بصوتها‪ ،‬فمث ًل من منهم سيقبل ما يقوله على‬           ‫المقدس‪ ،‬في كل شيء من الخالق وانتهاء بكل ما‬
                                                     ‫خلق‪ ،‬مرو ًرا بالوجود البشري وكل ما ُينتج‪ ،‬فهؤلاء‬
                                        ‫لسانها‪:‬‬
 ‫«نعم‪ ،‬أحببت النساء ح ًّبا رقي ًقا ناع ًما له ملمس‬       ‫الساكنة أرواحهم على الدوام‪ ،‬ممن لا يطمحون‬
 ‫الحرير‪ ،‬ولكنه ليس ذلك الحب الحريري الملهم‬                  ‫لعيش الحياة والخيال أحد أهم مقوماتها‪ ،‬لا‬

     ‫لقصيدة «شريرة»‪ ..‬لي أكثر من صورة وأنا‬              ‫ُيدركون أن ما يقدمه الروائيون مثل محمد بركة‬
 ‫أتبادل قبلات في الفم مع بعض االسيدات‪ .‬أكون‬               ‫يص ُّب في صالح «صنمهم المقدس» لكن بشكل‬

   ‫غال ًبا في الاستراحة وتأتيني إحدى المعجبات‬         ‫مغاير لم يتعودوه‪ ،‬فمث ًل يقول على لسانها‪« :‬كنت‬
   ‫في الكواليس لتمنحني شي ًئا حا ًّرا من روحها‪.‬‬           ‫وسأبقى سيدة غنائكم الذي صار من بعدي‬
   ‫تبادلت القبلات الفمو َّية‪ ،‬شديدة العذوبة‪ ،‬مع‬           ‫غري ًبا يثير بضحكاته الهستيرية الصاخبة‬
                                                                                   ‫المزيد من الأسى»‪.‬‬
          ‫سيدات تحت سمع وبصر الصحافة»‪.‬‬                     ‫ففي حانة الست‪ ،‬كل ما قدمه محمد بركة من‬
     ‫أشار المؤلف في هذا العمل الروائي منذ البداية‬
    ‫إلى مهمته‪ ،‬وهي ابنة خياله المحض‪ ،‬لينبه هؤلاء‬     ‫السرد المتخيل‪ ،‬ينتهي في مآله إلى احترام تلك الذات‬
    ‫الأصوليين في محبتهم لأم كلثوم‪ ،‬وأ َّن ما كتبه‬       ‫«المقدسة» لدى البعض لشخصية أم كلثوم‪ ،‬لكنه‬
  ‫لم يكن إلا أمينًا في نقله من خياله كما تراءت إليه‬     ‫فعلها بآلية مغايرة لما اعتادوه من التيه في ظلال‬
‫سيدتهم وكوكبهم ال ُّد ِّري الذي لا يسمحون أن يناله‬       ‫ووهم قدسية الشخصية التراثية التي لا يجوز‬
    ‫من سمات البشر أ ُّي نقيصة‪ ،‬لكنهم لم ينتبهوا‪،‬‬                                         ‫المساس بها‪.‬‬
  ‫وقرروا أن يحملوا على المؤلف وخياله‪ ،‬وكأنهم لم‬
                                                                  ‫ماذا فعل محمد بركة؟‬
                              ‫يفهموا هذا المقطع‪:‬‬
  ‫«لا تقلق‪ .‬لس َت باح ًثا ولن تكون مؤر ًخا يعيد‬         ‫كتب محمد بركه ما أملاه خيال الروائي عليه‪،‬‬
                                                       ‫لم يكتب سيرة ذاتية تاريخية أو فنية‪ ،‬إنما قدم‬
        ‫كتابة سيرتي‪ .‬لن تنساق وراء شائعات‬               ‫عم ًل روائيًّا بالدرجة الأولى عبر تقنية الفلاش‬
‫تطاردني أو تفاهات تسعى للنيل مني‪ .‬سأطلعك‬              ‫باك والروائي العليم أو تقنية الأصوات المتعددة‪،‬‬
‫على ك ِّل شيء جوهري‪ .‬سأهبك خلاصة حكاياتي‬             ‫دون أن يخالف منطق الرواية سر ًدا أو عق ًل‪ ،‬لكن‬

                                                         ‫الصادم هو زاوية الرؤية في عمله‪ ،‬إذ قرر أن‬
                                                       ‫ينظر نحو «كوكب الشرق» من زاويته الخاصة‬

                                                             ‫كروائي وصحفي لا من زاوية «مجاذيب‬
                                                            ‫الست»‪ ،‬فقدم سر ًدا صاد ًما لكل من دخل‬
                                                        ‫عتبات القراءة للرواية معتم ًدا على قدسية هذه‬
                                                           ‫الشخصية الغنائية في تاريخ مصر والعالم‬
                                                           ‫العربي الحديث‪ ،‬وأخذ يفكك هذه السردية‬
                                                           ‫المقدسة بذكاء الروائي‪ ،‬لينهدم هذا الصرح‬
                                                        ‫العظيم في عقول محبي «أم كلثوم»‪ُ ،‬ثم يعكف‬
                                                      ‫من جديد عليه ليعيد بناءه حسب ما أملاه خياله‬
                                                       ‫ورؤيته السردية لتفاصيل الحكاية‪ ،‬والتي ربما‬
                                                           ‫كان منها ما هو سري في حياتها‪ ،‬أو ما لم‬
                                                          ‫ُيعلن مهابة الخدش لهذا «التابوه» المعتمد في‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49