Page 195 - Lybia Flipbook
P. 195
ومع تلاشي النظام الذي كان يوفر كميات غير محدودة من المياهالمجانية،اضطرالليبيونإلىالتكيفبعددمنالوسائل، منها قيام الكثير من المجتمعات المحلية والأسر بحفر آبار خاصة عميقة أكثر من أي وقت مضى، ووضع حاويات كبيرة لتخزين المياه على الأسطح، بالإضافة إلى دفع تكاليف جلب المياه عن طريق الشاحنات. ولأن معظم المياه المنزلية لم تعد صالحة للشرب، فليس أمام الأسر خيار سوى شراء المياه المعبأة. ولا تزال المياه العمومية مجانية، لكن النظام القائم على العرض الذي تعتمد عليه قد
17ً
انتهى فعليا.
ولا يزال الغموض يكتنف كيفية
تطور شبكة المياه في المستقبل،
لكن الأمر الجلي هو أن ليبيا لديها
الموارد والقدرات الفنية اللازمة لبناء
شبكة أكثر تكاملاً واستدامة. والقليل
من بلدان العالم لديه مثل هذا العدد
من المهندسين لكل فرد مثل ليبيا،
والقليل منها أيضاً لديه الموارد
اللازمة لاعتماد أحدث التقنيات.
بالتناضح العكسي ومستجمعات
مياه الأمطار والخزانات الكبيرة المغطاة بألواح شمسية عائمة للحد من التبخر، ليست سوى أمثلة معدودة على الحلول غير
ذلك، تم بناء العشرات من المحطات الجديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي في مختلف أنحاء البلاد، مما أدى إلى الإرتقاء بمستوى خدمات الصرف الصحي وصحة السكان.
هناك القليل من الموارد في ليبيا تتفوق في قيمتها على المياه، فقد تعلم الليبيون الذين يعيشون فيأحدأكثربلدانالعالمشحاًفيالمياهالتكيَفوابتكاَر الأساليب التي تمكنهم من تأمينها. ولا يزال من الممكن العثور على أنظمة الري التي يعود تاريخها إلى 400 عام قبل الميلاد والمعروفة باسم «القنوات» أو «الفقارات» في الإقليم الجنوبي، ولا تزال بعض الممارسات القديمة مثل الإحتفاظ بالآبار الضحلة أو الأحواض داخل المنازل لجمع مياه الأمطار مستخدمة حتى يومنا هذا. وعلى مر القرون، طورت معظم البلدات التي نمت بالقرب من الواحات أو الآبار الصحراوية
شبكات إمدادات المياه البلدية الخاصة بها.
وحيث شهد السكان والإقتصاد نمواً غير مسبوق مع الطفرة النفطية، ازداد الطلب على المياه أيضاً. في البداية، تم سحب مياه إضافية من مكامن المياه الجوفية الساحلية. ولم يُكتب لهذه الطريقة أن تدوم طويلاً، حيث انخفض منسوب المياه إلى ما دون مستوى سطح البحر، مما سمح لمياهه بالإختلاط بالمياه العذبة. ولم تتردد الحكومة في استخدام ثروتها الجديدة من عائدات النفط من أجل بناء بنية تحتية أكبر لإمدادات المياه.
كان النهر الصناعي العظيم هو أهم مشروع في مجال توفير المياه إلى حد بعيد، حيث تشكل أنابيبه التي يبلغ ارتفاعها أربعة أمتار شبك ًة تحت الأرض تنقل المياه العذبة من أعماق الصحراء إلى المدن الساحلية، ومثله في ذلك مثل «الفقارات» القديمة. ولا يزال النهر الصناعي العظيم، الذي تم بناؤه قبل أكثر من عقدين من الزمن، أحد أكبر المشاريع الهندسية في العالم، حيث يتكون من 3500 كيلومتر من خطوط الأنابيب و1300 بئر والعديد من محطات معالجة المياه، تضخ نحو 6.5 ملايين متر مكعب من المياه العذبة يومياً. وتم إنشاء محطات تحلية حرارية على طول الساحل الليبي لإستكمال جودة المياه القادمة من الصحراء الكبرى. وبالإضافة إلى
ما يمنحني الأمل هو تاريخ بعض الدول التي مرت بنفس الضروف الصعبة التي تمر بها بلادي في الوقت الحالي والتي استطاعت تجاوزها بعمل مواطنيها في وقت يعتبر ليس بالقصير و لكن يبعث الأمل للتدارك.» حمزة، 22 سنة
ومحطات تحلية المياه التقليدية لتوفير إمدادات المياه.
أتاحت عائدات النفط للحكومة التوسع في توزيع المياه باستمرار لإشباع الاستهلاك المتزايد، حتى أصبحت سلعة مجانية وكان توافرها ببساطة من الأمور المسلم بها. وعلى الرغم من أن ليبيا كانت محظوظة بصورة غير عادية في امتلاك أكبر خزانين للمياه الجوفية في أفريقيا، تظل المياه من الموارد المحدودة التي ترتفع تكلفتها بشكل مستمر عندما لا توجد شبكة أكثر تكاملاً واستدامة. و من المؤسف أن في أعقاب الصراع وتجزؤ الحكومة، انخفضت الإستثمارات في شبكة المياه بشكل كبير، مما ألحق بها أضراراً جسيمة. وتضررت البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك النهر الصناعي العظيم، وأصبحت محطات تحلية المياه في حالة سيئة. وبالمثل، لا يزال عدد قليل من محطات معالجة مياه الصرف تعمل بحيث تتم معالجة أقل من 10 % من مياه الصرف، ويتم تصريف الباقي في البحر أو الحُفر، مما يُخَلِّف مخاطر بيئية وصحية. وليس من المستغرب أن تنخفض نسبة السكان الذين يحصلون على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بشكل مطرد. فنسبة السكان الذين يحصلون على المياه الصالحة للشرب لا تتجاوز 64 % من السكان، و24 % فقط يحصلون على خدمات الصرف الصحي المناسبة.
إرواء العطش: معضلة المياه
195