Page 55 - Lybia Flipbook
P. 55

أدى تزايد انعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد إلى تقييد المساحات و المجالات التي يمكن للمرأة أن تتحرك فيها. كما أنه أحيا القاعدة الثقافية السائدة التي تقضي بأنه يتوقع من الرجال أن يكونوا حُماة النساء. وفي ظل هذه الأجواء، فضلت النساء البقاء داخل المنازل لأن خروجهن لأي مكان قد يكون محفوفاً بالمخاطر. وعلى الرغم من تخفيف هذه القيود مع تحسن مستوى الأمن، فإن الحاجة إلى الحماية تُستخدم كمبرر للسيطرة. وهذا هو الحال بالنسبة لبعض الميليشيات التي تفرض القيود على حركة المرأة وتتظاهر
بحمايتها لإضفاء الشرعية على تواجدها.
يمكن أن يؤدي عدم اليقين والشعور بالعجز بشأن الوضع السياسي والإقتصادي إلى زيادة حاجة الشخص إلى هياكل إجتماعية قوية تكون قادرة على بسط السيطرة الاجتماعية. وهكذا، ففي حين أتاح الصراع للنساء الخروج من أدوارهن التقليديةوإظهارإمكاناتهن،فقدأدىأيضاًإلىتشديدالمفاهيم المسبقة عن أدوار المرأة مع محاولات
فترة الإضطرابات أنها تستحق معاملة متساوية. وقد نص الإعلان الدستوري الجديد والذي صدر بعد وقت قصير من توطيد السلطة، على أن جميع الليبيين، ذكوراً وإناثاً، متساوون أمام القانون ويتمتعون بحقوق مدنية وسياسية متساوية، ويجب أن يحصلوا على نفس الفرص في جميع المجالات
وأن يخضعوا لنفس الواجبات والإلتزامات العامة.
ومع رفع الحظر المفروض على عمل المجتمع المدني، زادت نسبة المشاركة في العمل والنشاط السياسي، حيث شارك الرجال والنساء معاً بنشاط في المنظمات غير الحكومية. وَعكَسالإرتفاعفينسبةتصويتالناخبينالليبيينخلال الإنتخبات التي جرت في عامي 2012 و2014 رغبتهم في
في حين يشعر الزائرون لليبيا غالباً بالحيرة بسبب ندرة تولي النساء المناصب القيادية العامة في ليبيا، إلا أنه يتم الإستهانة بقوة تأثير المرأة في المجتمع الليبي في معظم الأحوال. وبالمثل، فإن تنوع وجهات النظر حول هذه القضية بين الليبيات أنفسهن لا يحظى بقدر كبير من الإهتمام، حيث ترغب بعضهن أن ينلن دوراً أهم، بينما تكتفي أخريات بأدوار أكثر تقليدية. وتلقي النكتة الشائعة التالية بعض الضوء على دور المرأة الليبية والعلاقة بينها وبين الرجل:
سأل شاب ُمقبل على الزواج عمه: «كيف لا تتشاجر أبداً مع زوجتك؟» فأجابه العم: «هذا أمر سهل، فقد إتفقنا على أنها تأخذ القرارات بشأن كل الأمور الصغيرة، وأنا أخذ القرارات بشأن كل الأمور الكبيرة.» فسأله الشاب: «أنا لا أفهم، فما نوع الأمور التي تقررها؟» فقال العم: «هي تأخذ القرارات التي تتعلق بأمو ًر مثل المنزل الذي نشتريه، والطعام الذي نتناوله، والمدرسة التي يلتحق بها الأبناء، ومن يتزوج بمن، ومتى نخرج، هذا النوع من الأمور...» فسأله الشاب: «حسناً... ولكن ما الذي تبقى لك بعد ذلك لتق»رره؟» فأجابه العم: «أنا أعطي رأيي في مواضيع مثل السياسة العالمية، وقرارات الحكومة، ومشاكل الكهرباء... وغيرها من هذه الأمور المهمة الكبيرة، كما تعلم.3»
ورغم أن هذه النكتة مبالغ فيها، إلا أنها توضح أن المرأة في ليبيا لا ينقصها الولاية على النفس. خاصاً في الآونة الأخيرة، مكانتهن في المجتمع في حالة تغير مستمر. خلال إنتفاضة عام 2011، أصبح ظهور المرأة أكثر وضوحاً، وارتفعت الأصوات المطالبة بالمزيد من المساواة بين الرجال و النساء. ودعت روح التغيير السائدة في البلاد إلى مجتمع أكثر انفتاحاً وإنصافاً، وأظهرت الأدوار البارزة التي قامت بها المرأة في
المجتمعات المحلية لتوليد شعور
بالإستقرار. وأدى هذا التوتر إلى عدم
اتساق القرارات القانونية والقرارات
على مستوى السياسات. فعلى سبيل
المثال، في نفس العام الذي نص فيه
الدستور على مساواة المرأة، تم إلغاء شرط حصول الرجل على موافقة زوجته الأولى قبل الزواج للمرة الثانية. وبينما نشاهد المزيد من النساء وهن يقدن السيارات، تحاول بعض السلطات تطبيق القوانين التي تلزمهن بالسفر مع مرافقين
ذكور، يعرفون باسم «المحرم».
ومن المفارقات أن العواقب الاقتصادية لحالة عدم اليقين السياسي التي طال أمدها قد فتحت آفاقاً غير متوقعة أمام المرأة الليبية للمشاركة في الحياة الإقتصادية. فعلى مدى العقد الماضي، ورغم القيود الإجتماعية والأمنية، تصدت النساء للتحديات الإقتصادية والإجتماعية الملحة التي تواجهها أسرهن من خلال المغامرة بدخول الأماكن العامة والإلتحاق
أقدر حميمية الناس وتقاربهم في أوقات الحزن والأزمات، وتمسكهم بالعادات والتقاليد فاطمة، 30 سنة
التمثيل السياسي والتغيير. لكن الثورات لا تمحو الأعراف والمعايير الثقافية الراسخة. برغم الفخر ببلوغ عدد المرشحات في انتخابات عامي 2012 و2014 نحو نصف عدد المرشحين، فازت النساء بنسبة
16.5% من المقاعد .وسرعان ما أدى صعود الجماعات ذات التوجه الإسلامي في المشهد السياسي وزيادة نفوذ الميليشيات المسلحة إلى رد فعل عنيف. كما أدت سلسلة من الإغتيالات وأعمال الترهيب إلى زيادة كبيرة في تكلفة الدعوة إلى المساواة في الحقوق. وتعرضت ناشطات بارزات في المجتمع المدني ومدافعات عن الحقوق السياسية الإغتيال أو الإختفاء القسري، وكان منهن سلوى بوقعيقيص، وانتصار الحصائري، ونصيب ميلود كرفانة، وحنان البرعصي، وفريحة البرقاوي، وسهام سرقيوة، ولم يُقدم أي من الجناة إلى العدالة.
بين التقليد والحداثة: مساهمة المرأة في المجتمع
55













































































   53   54   55   56   57