Page 101 - Nn
P. 101
99 إبداع ومبدعون
قصــة
وبصوت فيه رنة انكسار أخبرها: لتأتي له بالقربة القديمة التي ملأتها الثقوب وما
-الظلمة ولاد الكلب قتلوه في يوم نصرته! عادت تنفع ،وقت غيابها قضاه الرجل في النظر
إلى عمها ،رأى الشيء الساكن بين فخذيه ،ولوى
-مين يا خوي؟ وجهه ،وطلب منها أن يتم ستره ،ثارت في وجهه
-السادات! وأخبرته بأن سيرته حتى الآن ترفع هامات رجال
الرهبة في كل مكان ،ويسألها عن سبب ما أوصله
على الفور عمدت أمي إلى المواساة على طريقتها: إلى هذه الحال ،فتمتنع عن الإجابة ،وتتجاوز سؤاله
-لا هيكون أول ولا آخر اللي ماتوا. بكل ارتياح ،وتختار قربة جديدة ،تدفع له الفرق
بعد أن يبخس ثمن القربة القديمة ،وما إن يرحل
وصلته الكلمات فنظر إليها بغضب مما جعلها ُتهزم البائع ،تتحرك لتأتي بصغيرها ،قبل أن تمد يديها
وتلوذ بالصمت ،إلا أن بكاءه ذهب ببقية خوفها، إليه تقول له :يا عم كفاية! يمسك بذراعها ،ويقبض
فقبضت على كلماتها بقوة وتكلمت: عليه ،فتتألم ،ويتكلم« :حملي فوق الكتاف مال يا بت
-بلدنا طول عمرها كده ،الراجل الزين يقصفوا أخوي» ،فتجذب صغيرها وتمنحه ظهرها وتركض
عمره بدري. في اتجاه الباب ،وقفت خلفه لتراقبه ،رأت دموعه،
وخشيت من عودة حكايته ،ابتداء من هروب زوجته
كانت الكلمات كشوك غرز في رأسه ،فمد يده ورفع مع صديق عمره ،وخروجه طلبًا للثأر ،وعودته
العمامة عنه ،فردها ،وشرع في مسح عرقه بطرفها، وهو على هذه الحال ،لذلك عادت ونظرت إليه ،لمحته
يمسح دموعه ،وبيدين مرتبكتين يسدل الجلباب
ووصلنا من الخارج ضجيج العيال ،فكتمت أنا حتى منتصف الساقين ،ويهمس« :خلاص العمر
شهوة اللعب ،وغضضت الطرف عن تحريض أمي صاف» ،وهو يزحف على مؤخرته في اتجاه باب
بيته ،فلما وصله ،دفعه ودخل ،وظل كوب اللبن
لي بالخروج ،فتركتني ونظرت إلى والدي راجية الفارغ يناوش بجوار جذع الشجرة التي تحمل
منه أن يسكت ،فكان أكثر قسوة معها وهو ينهرها:
اسمها!
«اسكتي».
قامت أمي ،ويبدو أنها فقدت صوابها وهي تقترب -2
من الصورتين ،وبالتحديد في اللحظة التي مدت دخل والدي البيت حزينا ،جازفت أمي وسألته
فيها يدها ولمست زجاج صورة عمها ،فقد سمعتها عما حدث ،جرفته ،فنزلت دموعه ،فخطف قلبها،
فبركت بجواره ،ولم تكرر السؤال ،وهو لم يكن
تردد« :ربنا يرحمك يا سبع».
واستدارت وهي مليئة بالعتاب ،وبدت أقرب ما قاد ًرا على الكلام ،حتى بعد أن جاءت له بكوز
تكون إلى با ُلون ُنفخ لآخره ،ينتظر نغزة من سن الماء ،تناوله منها ،وسنده بجواره ،فشعرت بثقل
ما حدث ،فنامت يدها على كتفه وهي تقول« :و ّحد
دبوس ليهرب منه الهواء الذي يسكنه ،بينما
وجه والدي كان ساحة مكتظة بالحزن ،فحطت الله» ،ثم لاذت بالصمت وهي تدرك أن أم ًرا ما
عليه ،وضغطت ،فدوى انفجار البالون تحت وقع حدث ،الحدث الذي لم يتكشف لها بعد ،والذي ودت
تصريحها: أن تعرفه ،فعادت وتعلقت بالجرأة وسألته ثانية،
-يعني الحرقة دي يا خوي مشفتهاش منك على فرفع عينيه وتجاوزها فجعلت نظراتها على الجدار
المقابل ،المعلقة عليه صورتان ،واحدة لجدي الزقال
عمي! والأخرى لرجل أكثر مهابة منه يرتدي سترة يزين
وبقيت في مكانها ،ظهرها للجدار ،ووجهها لنا،
تراقب أثر كلماتها ،فأثار صمته شجونها ،وسمحت صدرها الأوسمة ..قرض على شفته ،ثم أفلتها،
لدموعها بالنزول ،وأنا انسحبت من بينهما ،ذهبت
إلى يوم موت الجد الزقال ،اليوم الذي جرت فيه
أحداث أغلبها كنت معتا ًدا على مشاهدتها ،إلا أن
طقس حمومه هو الحدث الأبرز فيه ،رأته أمي يقلب
عينيه في وجهها بعد أن قرفص عار ًيا في الطشت،
ظل صامتًا حتى انتهت ،فجففت جسده ،ورحبت
بأن تتركه بالفانلة واللباس كما طلب ،فظهر عليه