Page 102 - Nn
P. 102
العـدد 35 100
نوفمبر ٢٠٢1
-ليه يا عمي؟ نشاط غريب بعد أن أجلسته على الدكة ،وبدأ يثب
-كان وهم يا بت أخوي. في حديثه من حكاية لأخرى دون أن يتوقف ،وأمي
وطلب منها أن نتركه ،فغادرت أمي بيته وهي
تتفادى أثناء حركتها في اتجاه بيتنا عيون أهل تنصت إليه باهتمام ،لم تقاطعه ولا م َّرة واحدة،
الرهبة ،دخلت خزانتها ،ولم ترد على والدي الذي ثم فجأة توقف ،ظنت أنه تعب أو ليس لديه ما
سألها عن سبب هذا الحزن ،فترك البيت وخرج، يقوله ،فه َّمت بمغادرته ،إلا أنه عاد وأمسك بحبل
وما هي إلا دقائق وعاد لها بخبر وفاته .وكأن الكلام وسأل عن والدي ،فلما عرف بوجوده في
صوته ما زال حاض ًرا في اللحظة التي وصلها البيت ،طلب منها أن تحضر له منه قطعة حشيش
صوت صبه الماء على رأسه العاري من الكوز وسيجارة وورقة بفرة ،أشار ْت بإصبعها إلى
المركون بجواره ،فشعرت بوحشة غريبة وهي عينيها ،وقامت ،سرعان ما عادت بسيجارة ملفوفة،
تشمله بنظرة ،وكمن أمسك بفرع رمان ،ارتعشت أشعلتها بعود ثقاب ،ثم تراجعت وجلست قبالته،
شفتاها ،وقررت جلده ،فقالت :ربنا ريحه! وبدأ يسحب دخانها وينفخه ،مرس ًل نظراته خلفه،
وعلامات الانتشاء تظهر على وجهه ،كأنه يتابع
-3 أشخا ًصا من خلالها ،وما هي إلا دقيقة ووثب
سري ًعا إلى حكايات مختلفة ،تكلم وعاتب شخ ًصا
كنت ألعب مع العيال في ساحة الرهبة تحت ما ،على الوهم والرعب الذي زرعه في عقول الناس،
وأمي تسأله عما يقول ،كان ينكس رأسه وينشغل
بالتدخين ،وحينما يعاود حديثه تعود وتسأله،
فلا تجد منه ر ًّدا شافيًا ،وبعد أن رضع دخان
السيجارة ،طلب منها أن تأخذه لفرشته ،فمالت
عليه ورفعته ،واتجهت به إلى المندرة ،مددته على
سريره ،فتركتها معه ،ومنحت الجدران عيني،
فظهرت لي موحشة وهي عارية من الصور ،وزادت
الوحشة باكتشافي لخيوط العنكبوت التي تحتل
الأركان ومساحات كبيرة من السقف ،وزقلة تنام
في ركن بعيد ،يغوص جزء منها في أرضية المندرة،
اتجه ُت إليها ،ونزعتها ،فلمحها بين يدي ،فأمطرت
عيناه الماء ،وطلب مني أن أحضرها له ،وما إن
أصبحت بين يديه حتى دفعها إلى أمي وأوصاها:
«أمانة تحرقيها بعد ما أموت».
انكمش ُت على نفسي وتصاعد الصهد من أذني،
فتماسك ُت ،عد ُت إليه لمحت رعشة تسري في جسده،
وبتوتر ظاهر ،يضرب المرتبة بيديه ،فتهرع إليه
أمي وتمسك بيديه ،فيطوح رأسه ،بينما الدموع
تهطل غزيرة من عينيه ،فلما هدأ ،أكمل وصيته وهو
يضرب السرير بقبضة يده:
-والمدعوك ده كمان.
قاطع ْته:
-أعمل فيه إيه؟
-احرقيه.