Page 107 - Nn
P. 107

‫‪105‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

                      ‫كنت دائ ًما هناك أمد يدي إليها من بعيد‪ ..‬أمد لها‬
                             ‫يدي تلك التي لم تلتقطها ولا مرة واحدة‪.‬‬

                     ‫في عمر السابعة عشرة كانت أجمل من أن تتحمل‬
                      ‫عيني وروحي جمالها‪ ،‬ولأول مرة تراني وتكون‬

                         ‫قريبة مني‪ ،‬لأول مرة تلتقط يدي التي مددتها‬
                       ‫لها منذ سنوات‪ ،‬حين وقعت على الأرض بعد أن‬
                    ‫صدمها بعض الشباب بدراجاتهم بهدف معاكستها‬

                                                   ‫والسخرية منها‪.‬‬
                            ‫مددت لها قلبي قبل يدي؛ فتصلبت عيناها‬
                     ‫الواسعتان على وجهي وأخذت تنتقل ببصرها من‬
                    ‫جبهتي مرو ًرا بحاجبي وعيني وأنفي‪ ،‬وتوقفت عند‬
                       ‫شفت َّي قلي ًل وذقني‪ ،‬أخذت تتعرف على ملامحي‬
                        ‫بأصابع يدها وكأنها ترى إنسا ًنا لأول مرة‪ ،‬لا‬
                       ‫أذكر كيف انتهى ذلك وكيف أوصلتها إلى بيتها‪،‬‬
                     ‫كل ما أتذكره أني شممت رائحة قرنفل تنبعث من‬
                     ‫ثيابها و كأن قارورة عطر من القرنفل قد ُكسرت‬
                      ‫أو تم سكبها على ملابسي وكامل جسدي‪ ..‬كيف‬
                      ‫لامرأة خرساء أن تتحول لشجرة قرنفل ضخمة‬

                                      ‫تمتد أغصانها لتخترق جسدي‪.‬‬
                     ‫قالت لي العجوز التي تقوم برعايتها إنها آخر ابنة‬
                      ‫من نسل عائلة «شجرة القرنفل» والتي لا ُيعرف‬

                          ‫إلى أي زمن تنتمي إليه هذه العائلة‪ ،‬وأن آخر‬
                     ‫النسل صام ٌت ويفرز جسده القرنفل حين يقع في‬
                    ‫الحب‪ ،‬كأن الشجرة ُزرعت داخلها‪ ،‬وبموتها تموت‬

                                       ‫الشجرة ونسل عائلة بأكملها‪.‬‬
                    ‫وحكت لي العجوز عن الجدة الأم لهذه العائلة‪ ،‬التي‬
                     ‫عرفت السر أول مرة‪ ،‬وكان عليها أن تحذر بناتها‬

                       ‫علّهن يحظين بفرصة أكبر للنجاة وطول العمر‪،‬‬
                        ‫ونظ ًرا لصغر سنهن قامت بجمع نساء عائلتها‬
                    ‫اللائي يتشاركن معها السر نفسه‪ ،‬فليس أسوأ من‬

                          ‫أن تنجب الأم بنتًا تعول هم عمرها القصير‪.‬‬
                          ‫إنهن تعيسات أو محظوظات على الأرجح أن‬

                              ‫يمتلكن سر حياتهن وسر موتهن أي ًضا‪.‬‬
                                     ‫ليس ثمة مشكلة في عمر الذكور‪،‬‬

                                   ‫ففي تاريخ العائلة يعمر ذكور هذه‬
                                   ‫العائلة دون إناثها‪ ،‬فقد يبلغ الذكر‬
                                    ‫المائة عام‪ ،‬ومنهم من يصل عمره‬

                                         ‫للمائة والعشرين مثل أعمار‬
                                            ‫باقي القرية‪ ،‬بينما الإناث‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112