Page 54 - Nn
P. 54

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪52‬‬

                                                    ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫خالد طلعت‬

‫فيلم “ريش”‪..‬‬

‫ديستوبيا درامية‬

‫تسعى لإحداث صدمة لعين المتلقي‬

‫الفيلم مفعم بالرمزيات والرسائل المشفرة التي ُو ِّفق بعضها كثي ًرا‪،‬‬
‫وخاصة بالاستفادة من زوايا التصوير وخفوت الإضاءة‪ ،‬في نقل مدى‬
‫ديستوبية الصورة إلى أذهان المشاهدين‪ ،‬مثل مشهد دخان سيارة‬
‫رش المبيدات الذي يقتحم النافذة‪ ،‬والذي تكرر في عدة مواضع بطول‬
‫الفيلم‪ ،‬بينما ظل كثير من تلك الرسائل مبه ًما ومستغل ًقا على الفهم‪،‬‬
‫وربما لا معنى له إلا في عقل صانعه‪ ،‬كما أنني مضط ُّر للاعتراف بأني‬
‫لم أستمتع بالأداء التمثيلي لأ ٍّي من الممثلين‪ ،‬ولم أر أغلبهم يصلحون‬
‫حتى ككومبارس!‬

  ‫طريقة الصدمات الكهربائية‪ ،‬وهو ما قد يبرر ذلك‬      ‫أثار الفيلم المصري «ريش» الذي عرض بمهرجان‬
 ‫الكم الرهيب من المشاهد المستفزة للعين والحواس‬
                                                           ‫الجونة الأخير زوبعة كبيرة ولغ ًطا واس ًعا في‬
    ‫التي يزخر بها الفيلم‪ ،‬وإن كانت كلها مستوحاة‬     ‫الأوساط الثقافية وغير الثقافية المصرية‪ ،‬وكانت هذه‬
   ‫من الواقع الديستوبي المصري أو من تلك الحالة‬
  ‫المصرية الفريدة الناشئة عن طول اعتياد التعايش‬         ‫الزوبعة قد اندلعت عندما انسحب الفنان شريف‬
 ‫مع القبح والبشاعة والإهمال والتسيب والتمرغ في‬          ‫منير من القاعة أثناء عرض الفيلم بعد أن تحمل‬
‫الخرافة والدجل‪ ،‬حالة المواطن الذي لا تتركه دولته‬     ‫بصعوبة مشاهدة نصفه أو أقل قلي ًل‪ ،‬وما إن غادر‬
                                                     ‫منير حتى تبعه حوالي خمسة من الممثلين والممثلات‬
    ‫ليواجه مصيره المظلم وحده فحسب‪ ،‬بل تتفنن‬           ‫تضامنًا معه واعترا ًضا على ما ع ُّدوه إساءة لسمعة‬
‫كذلك في جعل ذلك المصير أشد اظلا ًما وبؤ ًسا‪ ،‬وهي‬
‫الحالة التي يعلمها الجميع ويلعنونها ليل نهار‪ ،‬وإن‬               ‫مصر وتصوير لمجتمعها بما ليس فيه‪.‬‬
                                                    ‫من ناحيتي‪ ،‬كنت قد قررت ألا أسهب في الحديث عن‬
   ‫كان بعضهم يفضل إنكارها‪ .‬ولذلك ففي ظني أن‬
‫تقييم هذا الفيلم سوف يتغير كلية بتغير الانحيازات‬       ‫هذا الفيلم سلبًا أو إيجا ًبا‪ ،‬وترك تلك المهمة للنقاد‬
‫السياسية والتركيبات النفسية والاجتماعية‪ ،‬وأي ًضا‬        ‫والمتخصصين‪ ،‬ولكني أحب أن أذكر رأ ًيا سري ًعا‬
                                                        ‫من وجهة نظر المشاهد العادي‪ ،‬الذي يحق له أن‬
 ‫حسب الزاوية التي يتم معاينته منها‪ ،‬كما سيتغير‬         ‫يك ِّو َن رأ ًيا في كل ما يعرض عليه من أعمال فنية‪.‬‬
 ‫الحكم عليه تب ًعا للمدرسة السينمائية ونوع الأفلام‬       ‫فالفيلم في رأيي هو ديستوبيا درامية اجتماعية‬
                                                    ‫تسعى لإحداث أكبر قدر من الصدمة في عين المتلقي‬
    ‫التي يفضلها المتحدث‪ ،‬فهناك مث ًل من لا يهوى‬       ‫وعقله ووجدانه‪ ،‬ربما بغرض العلاج والإفاقة على‬
    ‫الأفلام الاجتماعية الرتيبة ذات الإيقاع البطيء‪،‬‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59