Page 4 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 4

بغداديات 1 استكان
لطالما احببت الشاي صغ ا وفضلته على كافة المشروبات الحارة والباردة، صيفا او شتاء، حتى ان إعداد الشاي كان اول مهارة اتعلمها من مهارات المطبخ. كان الشاي الحلل أيامها يضاف الى الماء بعد اضافة السكر في الأباريق، فأيامها كان مزاج العائلة واحدا موحدا.كبرت وكبر معي حب الشاي، كنت أفضله ثقيلا بعض الشيء ودون م مية او نعناع، الغالبية في بلادنا يضيفون اليه الكث  من هذين النبات  حتى لتشعر ان طعم الشاي قد اختفى  اما. والغالبية يصنعونه خفيفا، او بالأحرى هم لا يصنعونه هذه الايام بل يضعون المكونات أمامك ويطلبون منك بأدب مصطنع ان تصنعه انت، حسب رغبتك. وإذا جلست في كافت يا وطلبت كأسا من الشاي سيحضرون لك كاسة ماء ساخن وضعوا بداخلها ضمة من النعنع ووضعوا بجانبها كيسا من اكياس الشاي وكيس  من السكر، تشعر ساعتها ان النعنع اجباري واما الشاي فأنت حر في ان تضيفه او لا تضيفه. الادهى والامر من ذلك ان يحضروه في فناج  كب ة، لا في كاسات شفافة، عندها يستحيل طعم الشاي الى شيء آخر، لا  ت بصلة قر  او نسب للشاي ابو الكباية.
شاء القدر ان اعيش في العراق سنوات طويلة، والعراقيون يعشقون الشاي ويتفننون في صنعه وتقد ه، سأظل اتذكر اول كاس شاي عراقي تناولته، كان ذلك في وقت الفجر في ساحة الوثبة )حافظ القاضي( بشارع الرشيد في منتصف بغداد حيث تقلع وتهبط هناك سيارات الجي ام سي التي تنقل الركاب من ع ن الى بغداد برا.
كان النادل فتى يافعا وكان ابكم، تطغى طيبته وابتسامته وحيويته وتفانيه في الخدمة على كل شيء، كان يقرع الصحون بالكاسات، ويحمل منها عددا كب ا  نتهى المهارة ويقدمها في غاية السرعة. العراقيون يسمون كاسة الشاي استكان ويؤنثونها احيانا ويجمعونها لتص  استكانات او استكاين، والتسمية جاءت من ضابط احتلال بريطا  طلب قدحا من الشاي الشرقي قائلا : East Tea Can، وكعادتهم نحت العراقيون العبارة فصارت كلمة مميزة  يز العراق والعراقي .
كان شرب الشاي ب  المحاضرات في الجامعة التكنولوجية ببغداد الفعالية الوحيدة التي نقوم بها الى جانب الحديث في السياسة، وكان الشاي المشروب الوحيد المتواجد في حديقة الاتحاد العام لطلبة فلسط  في منطقة الوزيرية، كان يقدمه لنا عامل مصري لطيف وظريف اسمه ماهر.’إحتدم النقاش حول فتح ذات مساء في حديقة الاتحاد، وصار نقاشا حادا جدا، ف  كان من هذا الماهر الا ان وزع كاسات الشاي على كافة الجالس  على حسابه الخاص وهو يعاتبهم قائلا بلهجته المصرية التي تحاول محاكاة
العراقية: فتح ايه يا عم؟!!! مهي مصر مفتوحة أهي، عملت ايه يعني ؟!!!.
وبعد احياء ذكرى الانطلاقة في احدى سنوات الث نينيات من القرن الماضي، دخلنا انا ومعاوية على ماهر وهو يحسب مدخرات ذلك اليوم، كان سعيدا جدا بالغلة الوف ة، وقال  نتهى الجدية: أ ّما انا بعت بيع في المولد بتاعكم !!! لا اعتقد ان احدا غ  ماهر  كنه ان يسمي انطلاقة فتح مولد. للعراقي  مع الشاي قصص لا تنتهي،
فهم يعتبرون ان تقديم الاستكان غ  طافح مسألة معيبة، وهم لا يشربونه من الاستكان بل يسكبونه في الصحن ليبرد قليلا ويرتشفوه سريعا، وشايهم لا يعد في الاباريق العادية ك  لدينا وا ا في الس ور وفي ابريق من الخزف يسمونه القوري.
غنى مطربهم القديم "مر  كسرت القوري" وغنت فريدة بصوتها الذي لا  اثله صوت آخر "خدري الشاي خدري" احب س ع هذه الاغنية بصوتها وبصوت يوسف عمر وبصوت فرقة بغداد. وغنى كاظم الساهر عن الشاي ابو الهيل وسمك المسكوف على شط دجلة وهو يحن الى بغداد، وغنت ساجدة عبيد اغنيتها الشه ة "اسمع صوت استكاين جا وين الشاي؟!"
لا ادري متى توقفت عن عشق الشاي والتجأت الى القهوة اك ، ر ا جاء ذلك متزامنا مع مخالطتي ومجالستي للمثقف ، وترددي على كافت يا الخضراء بفروعها في الكرادة و الاعظمية و المنصور، المهم انه تم واصبحت ممن يدمنون القهوة صبح مساء. لا اذكر انني شربت الشاي في برل  حيث عشت قرابة العام، ولا اذكر انني شربته في هولندا او ايطاليا او اليونان او كرواتيا، وكنت عازما على تجربة الشاي الانجليزي ولكن ذلك   يحصل الا في الزيارة الثالثة للندن، و  يعجبني شايهم على الاطلاق. شربته في تركيا فاعجبني جدا، و  تعجبني ابدا قوتهم الشقراء. الغريب في الشاي الى جانب تعدد نكهاته واصنافه هو تعدد الوانه وتضاربها في التسميات، فالشاي الاحمر يسمى اسود، والاصفر يسمى اخضر، والاخضر يسمى ابيض، وهذا اغلى  نا واقدر
على حرق الدهون والسعرات من الاخضر الذي يتناوله خالد سليم.
6


































































































   2   3   4   5   6