Page 55 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 55
وهكذا عاش الغجر وكلهم استعداد لتقبل النبذ، فارتدوا ازياء فضفاضة ومزركشة يزهم، وضربوا الخيام على اطراف المدن، تارك لمن شاء ان يأتيهم، وتركوا عرباتهم على اهبة الاستعداد للرحيل مع الريح فوق طرقات الرب وفي ملكوته الواسع، وظلت اجسادهم خفيفة بأرواحها. )الميث اثقل من الحي لأن لا روح فيه، فالأجساد تخف بالأرواح( عرف الغجر ان لا ملك لهم، فصاروا ابنا ًء مخلص للريح متنقل على نس تها وعلى نغ ت موسيقاهم، يحملون خيامهم على ظهر خيلهم و ضون، دون حن لوطن، فالوطن بالنسبة اليهم موسيقى وطرب ورقص، هي اركان ثلاثة يحملونها في قلوبهم وجوارحهم وينشرونها حيث حلوا في اراضي الاخرين. )اللي ما إلو كب بيشتري كب ، واللي
ما عنده دين يعتنقه بيصنع دين(. )تقول الحكمة الغجرية: هناك حقائق مزورة وتخيلات حقيقية(.
هكذا يفرق الملوك الج عة الى ج عات، وهكذا تحافظ على نفسها الج عة التي صارت ج عات تحمل اس ء واديان وتتكلم لغات مختلفة، ظل الن ّور والزط ك يسمون في بلادنا والجيتان ك في فرنسا، والكالو ك في اسبانيا، والفلاكس ك في البرازيل، والكاولية ك في العراق، ظلوا متشابه في الشكل والسلوك والملبس والعادات والحرف وظلوا كذلك اوفياء لأركان دينهم، فعزفوا وغنوا ورقصوا، وابتدعوا الفلامنكو في اسبانيا و ابدعوا رقص الهجع في العراق، ظلوا احرارا ومسالم بأرواح خفيفة ومرحة، فزارهم كل طالب حرية وعاشق لها. )يسعى الناس للحرية، ولكنهم يكرهون غ هم من الاحرار، ولذلك تعرض الغجر للقتل زيادة على النفي والنبذ والتمييز(. )تقول الحكمة
الغجرية: الدمعة في الع جرح في القلب(.
حياة الغجر الخالية من التعقيد، والشعور بالذنب حيالهم كانت وراء العديد من الافلام والمسرحيات التي جسدت حياتهم بإنسانية كفيلم الغجري للممثل الفرنسي الآن ديلون والمسرحية العراقية اطراف المدينة، وكان الغجر عنوانا وموضوعا للعديد من اللوحات والروايات والدواوين الشعرية. )يعتقد الغجر أن الخالق وضعهم في تنور، مثل توضع أرغفة الخبز، ثم انشغل في أع ل أخرى، ولما فطن وجد لونهم الأسود مختلفاً عن سواهم الذين لا لون لهم »البيض« فجعلهم أبناءه المفضل (.
أحبت غجرية فتى جميلاً، لكن من غ جنسها، فجفاها، فبكت واستعطفت، و تجد خلاصاً إلا بعقد اتفاق مع الشيطان، وهو صنع آلة من اجساد أعضاء أسرتها، وبهذه الآلة كنها تنفيذ ما تريد، وبعد كث من المعاناة وافقت، فجعل أباها صندوقاً خشبياً يردد الصوت وأمها قوس عزف، وأخواتها الأربعة أوتاراً، فكانت آلة الك ن، وعلمها العزف عليها، فجعلت النافر منها يعشقها، ومنذ ذلك الوقت تعلم الغجر الفنون كلها. ولعل من ابرز الشعراء الذين امتدحوا حياة الغجر الشاعر الارد مصطفى وهبي التل
المعروف بعرار وخاصة بعدما اغرم بسلمى الراقصة الغجرية ممشوقة القد والقوام حتى قال: ليت الوقوف بوادي الس إجباري وليت جارك يا وادي الشتا جاري ولا ابالي إذا لاحت مضاربهم مقالة السوء في تأويل مشواري ب الخرابيشلاعبدولاامةولاارقاءفيازياءاحراِر الكل زط مساواة محققة تنفي الفوارق ب الجار والجار. )كان الفنان الارد المرحوم عبده موسى واحدا من شيوخ الغجر، وتولى ابنه فتحي من بعده زعامة هذه الاقلية( وكان على الغجرية ان لا تتزوج الا غجريا، غجريا واحدا يلقي اليها بالمنديل المزركش الملفوف دوما حول رقبته، فلا تأخذ المنديل فقط، وا ا رقبة الشاب ايضا ليأكل من خبز عليه قطرات من دم ابهامها، )تقول الحكمة الغجرية: لا تختر إمرأة على ضوء القمر(. يصبح الغجري في عصمة زوجته، فيحرس خيمتها، ويعزف لها موسيقى تبقي روحها حية. )الموسيقى هي روح الغجر، ويا لها من روح!(.
ولأن الفن لا يكفي كان على الغجري ان ير سلالات الحم وكلاب الصيد، وان يصنع من الحديد خناجر وسكاك ، وحفارات للكوسا، ومناخل وغرابيل واقفاص وفخاخ للطيور وطبولا وحصائر، وان يركب اسنان الذهب، وان يقرأ الطالع من الكف، وان يسرق ولكنه لن يسرق من هم افقر منه، ولن يسرق اك م يحتاج. )تقول الحكمة الغجرية: )حيث يكسب الاغنياء المال بشرف، ولا يستطيع ذلك الفقراء، سيكون على الغجري الفق ان يسرق(. يذهب الغجري لأي حرب، حتى لو وعدوه بجنسية حرم
منها سن طوال. )تقول الحكمة الغجرية: كونك رأس فأر افضل من كونك ذنب سيد(.
في العراق ك في غ ها من الاقطار العربية والاجنبية عاش الغجر حياة مسالمة و يتدخلوا في السياسية، و يقتحموا المدينة، كانت الناس تفد الى مضاربهم المس ة كاوليات، فيسهرون ويطربون ويرقصون، كانوا يصدرون اغا والحان لا تنسب اليهم، و يكونوا يسألون، تكن الكاوليات على اطراف المدن دورا للدعارة ك يعتقد البعض، بل ان ما كان يدور فيها يقل كث ا ع يدور في بعض الاوساط الفنية اليوم، او في النوادي الليلية الفخمة المقامة في ارقى احياء العواصم وبتراخيص رسمية. )ككل المهن اصبحت الدعارة اشد تعقيدا و يستطع الغجر فهم آليات السوق(. لن تجد عراقيا -مه كانت قوميته او ديانته او طائفته- لا يستطيب ولا يطرب للهجع، اما ك ان كل اسبا وكل ذواق للفن يحب رقصة الفلامنكو الاسبانية التي لا يبرع فيها الا الغجر، حتى ان راقصة الفلامنكو الغجرية اصبحت الشعار الرسمي لسجائر الجيتان الفرنسة، ولن تجد
مغنيا عراقيا الا وقد غنى الهجع وممن برعت فيه رقصا الفنانة ملاي ، ولمعت على التلفزيون والمسرح العراقي من فنانات الغجر كل حمدية صالح، وفرقة بنات الريف
57