Page 59 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 59

  يدم سجنه طويلاً. إذ أطلق سراحه وأعيد إلى بغداد، بعد شروط ووساطات عديدة، إلا أن الزهاوي قال في السلطان عبدالحميد بعد فترة من خروجه من السجن: فأيديكإنطالت،فلاتغتربها......فإّنيدالأياممنه َّنأطوُل.
واما الرصافي فقد قال عن الملك فيصل انه يعد ايام الشهر ليقبض الراتب، فعاتبه الملك قائلا: أنا الذي أعد أياماً وأقبض راتباً ؟!! فأجابه: أسأل الله أن لا تكون كذلك وجلس على الكرسي دون استئذان، فقال الملك: لماذا كل هذا العداء يا معروف؟ فأجابه: يا صاحب الجلالة لا يوجد شخص واحد في الدنيا يقول أن لي مطمعاً في مقامكم لأجل أن يكون لي عداء معكم ، ثم قام من مجلس الملك دون استئذان. نُفي الرصافي إلى خارج العراق، بسبب هجومه على الإنجليز والحكومة القا ة، وعاد بعد سنوات إلى بغداد
بفضل عفو مل ، وفي حفل الترحيب به، انشد الزهاوي، من دون ان يفوت فرصة للنيل من غر ه: لقد عاد معروف أخي بعد غيبة ...... فأهلاً برب الفضل والأدب الوفر كلانا يريد الحق في  يقوله ...... وإ  وإياه إلى غاية نجري فخذ بيدي اللهم في كل دعوة ...... وهذا أخي معروف اشدد به أزري كتمهاالرصافيفينفسه،ولكنالزهاوي يكِتفبذلكفأضاففيمناسبةأخرىقصيدةقالفيها: وللشعر في بغداد روح جديدة ...... وللشعر أعباء أقوم بها وحدي ولا بد أن البيت الأخ  قد اثار غضب كث ين وليس الرصافي فقط، وهو ما فتح باب مساجلات ادبية برع فيها الشاعران وانصار كل منه ، حتى ان كل واحد منه  انشأ مجلة لمهاجمة الآخر. تزامل الشاعران كنائب  عن العراق في مجلس المبعوثان بالاستانة، كان الرصافي ذا نظرة محافظة، واما الزهاوي فقد مال للتحديث والعصرنة. طرح الرصافي على المجلس منهاج الدراسة لكلية البحرية، فلاحظ الزهاوي أن المنهج يشمل دروساً لصحيح البخاري، فاعترض قائلا: هناك خطأ في التصور، الأسطول يس  بالبخار، لا بالبخاري.
كان الاثنان من أصول كردية ونشآ في العهد العث  ، وكانا محب  للعلم ولتحرير المرأة، ولكن طالعه  السياسي   يكن واحدا كأصله ، وتطلعاته  ونظرته  المنسجمة والمت ثلة الى الدين.
سألوه مرة: من هو أنت يا زهاوي؟ فأجاب »أنا س ّميت في صباي بالمجنون، لأنهم   يألفوا حركا  وطباعي، وفي شبا  س ّميت بالطائش لنزعتي إلى الطرب والفن، وفي رجولتي س ّميت بالجريء لمقاومتي الظلم والاستبداد والتخلّف، وفي شيخوختي يس ّمو  بالزنديق لمجاهر  بالآراء والأفكار الفلسفية. وأنا لو   أكن شاعراً أو فيلسوفا، لاخترت أن أكون محامياً«. توفي الزهاوي عام 1936 عن 73 عاما، ووقف معروف الرصافي على قبره يرثيه وهو يب : أيها الفيلسوف قد عشت مضنى ...... مثل ميت وصرت بالموت حيا
أنت فرد في الفضل حياً وميتاً ...... حزت في الحالت  ذكراً عليا
سوف أب  عليك شجوا وإن ...... كنت أبكيك في الحياة شجياً ومات الرصافي بعدها بـ 9 سنوات، فق ا يعتاش على راتب تقاعدي مقداره 12 دينارا، تذهب 3 منها سدادا لسلفة، غ  ان التمثال الذي اقيم له في بغداد، يعرضه في احسن حال ومرتديا بدلة انيقة، في  لا يشاهد في العراق أي  ثال للزهاوي.
بعد وفاة الرصافي بـ 57 عاما طبعت مكتبة المانية مخطوطه الكب  والذي   يكتمل والمعنون »الشخصية المحمدية« او »حل اللغز المقدس«، في هذا الكتاب يذهب الرصافي الى ابعد م  ذهب اليه الزهاوي في نقد الدين، حتى انه ينكر النبوة، ويتعامل مع النبي محمد )صلعم( على انه شخصية فائقة العبقرية والذكاء، آراء صادمة من اديب تر  في بيت متدين، ودرس على يد شيوخ ارادوه ان يكون معروف الرصافي كخليفة للشيخ الزاهد المتصوف معروف الكرخي.
ُولد معروف الكرخي لأبوين نصراني ، فأسل ه إلى مؤدبهم، وهو صبى. وكان المؤدب يقول له قل: »ثالث ثلاثة«، فيقول معروف: »بل هو الواحد الصمد!«، فضربه على ذلك ضرباً مفرطاً، فهرب. فكان أبواه يقولان: »ليته يرجع ألينا، على أي دين كان، فنوافقه إليه!«. رجع أليه ، فدق الباب، قالوا: »من«، قال: »معروف!«، فقالا: »على أى دين؟«، قال: »دين الإسلام«؛ فأسلم أبواه.
وكان قاعداً على دجلة ببغداد إذ مر به أحداث في زورق، يضربون الملاهي ويشربون؛ فقال له أصحابه: ما ترى هؤلاء يعصون! أدع الله عليهم!«، فرفع يديه إلى الس ء قال: »إلهي وسيدي!، ك  فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة!« فقال له أصحابه: إ ا قلنا لك: ادع عليهم!«، فقال: »إذا فرحهم في الآخرة يكون قد تاب عليهم في الدنيا، و  يضركم شيء«.
61


































































































   57   58   59   60   61