Page 58 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 58

‫المشقباالب‬

                                                                                       ‫وفرض تدابير تمنع من إنجاب أطفال داخلهم(‪((2‬‬
‫ونتيجة لما تقدم‪ ،‬حتى تكون الجرائم العنف المرتكبة ضد المرأة وخصوصا العنف الجنسى من جرائم الإبادة الجماعية‪ ،‬لا بد أن تكون النية الإجرامية‬
‫لمرتكبيها هى التسبب بأذى جسدى ومعنوى من أجل القضاء على جماعة معينة كليا أو جزئيا وبالأخص مجموعة عرقية أو دينية‪ ،‬فالاحتلال الصهيونى‬
‫لفلسطين مقام على أساس عرقى وديني‪ ،‬ويمثل هذا الاحتلال أبشع أنواع الانتهاكات على التى تقع على الأفراد ككل وانتهاكاتهم للفئة الأضعف وهى‬
‫النساء والأطفال‪ ،‬وارتكاب جرائم عنف جنسى ضد المرأة وتشريدها حيث يستعمل الجنس كسلاح قتالى شديد‪ ،‬فلا يعتبر المغتصب كجرد شخص تجرد‬
‫من إنسانيته ليشبع رغبة جنسية وإنما يعبر عن رغبته العدائية والعدوانية تجاه الطرف الآخر الذى يحاربه وينازعه على أرضه‪ .‬وجدير بالإشادة فى‬
‫هذا الصدد‪ ،‬أن محكمة رواندا (‪ )rwanda court‬فى قضية «‪ »paul axicio‬بو أكسيو الدائرة الابتدائية‪ ،‬قد قررت أن الاغتصاب يشكل جريمة‬
‫إبادة جماعية‪ ،‬حيث قررت‪ :‬أن الاعتداء الجنسى يشكل جزءا لا يتجزأ من عملية تدمير مجموعة عرقية للتوتسى (شعوب تعيش فى منطقة البحيرات‬
‫العظمى الإفريقية وخاصة فى رواندا وبوروندي) وأن الاغتصاب كان ممنهجا وارتكب ضد نساء التوتسى فقط‪ ،‬وذلك ما يكشف النية المحددة اللازمة‬
‫لتلك الأفعال التى تمثل‪ /‬تشكل إبادة جماعية(‪ ((2‬وقال القاضى بعد إصدار الحكم‪« :‬إن كان الاغتصاب فى العصور القديمة جزء لا يتجزأ من غنائم‬

        ‫الحرب‪ ،‬يعد الاغتصاب اليوم جريمة ترتكب فى زمن الحرب‪ ،‬ونحن نريد أن نرسل رسالة قوية بأن الاغتصاب لم يعد من غنائم الحرب»(‪((2‬‬
                                                             ‫***‬

                                      ‫المطلب الثاني‪ :‬اعتبار العنف الجنسى جريمة حرب‬
‫كان التكييف القانونى لجريمة الاغتصاب أثناء الحرب المسلحة والحروب ضد الإرهاب والتطرف على أنه جريمة حرب بالرغم من أن الاتفاقيات‬
‫والمعاهدات الدولية كاتفاقية لاهاى وجنيف بهم نصوص لمحاولة توفير قدر كبير لحماية المرأة وعدم تعرضها إلى أفعال شنيعة ورخيصة كهذه‪ ،‬والجدير‬
‫بالذكر أن (توتيلا الاستروغوتي) الذى قام باحتلال وغزو روما هو أول إمبراطور حرم ومنع اغتصاب نساء روما على الرغم من أن هذا الفعل كان يعد‬

                                                                    ‫حق للجنود المنتصرين فى المعارك مثله مثل سلب الغنائم واقتسامها(‪((2‬‬
‫ومن ثم تطور الأمر واعتبر الاغتصاب وما يلحق به من عنف جنسى ضد المرأة جريمة يعاقب عليها بالإعدام‪ ،‬فعلى الرغم من ذلك تم استمرار ارتكاب‬
‫هذه الأفعال الإجرامية ولم تحترم الأحكام ونصوص مواد المعاهدات وذلك حتى صدور لائحة ليبرا التى تعد الأساس لصياغة القانون الدولى الخاص‬
‫بالحرب‪ ،‬فقد نصت المادة الرابعة منها على أنه «يمنع كل عنف مفرط ضد الأفراد فى البلاد التى يتم غزوها وكذلك الاغتصاب أو حرج أو تشويه أو‬

                                                                 ‫قتل السكان تحت طائلة عقوبة الإعدام أو عقوبة قاسية أخرى مماثلة»(‪((2‬‬
‫اكتفى القانون الدولى – العرفى ‪ -‬بتصنيف جرائم العنف والاعتداء الجنسى على أنهم جرائم حرب إذا ما وقعت فى زمن السلم أو الحرب بغير القصد‬
‫الجنائى الخاص لمقترفيها دون أن يحدد أركانها وترك ذلك لفقه القانون الجنائي‪ ،‬ويستخلص من اتفاقيات جنيف الدولية أنه يعد اغتصابا كل صور‬
‫العنف الجنسى المختلفة ويندرج تحت جرائم الحرب إذا ما تم ارتكابها أثناء النزاعات المسلحة أو غير الدولية دون الحاجة إلى إثبات منهجية وقصد‬
‫جنائى لارتكاب تلك الأفعال لاعتبارها إما جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية(‪ ((2‬إلا أن محكمة يوغوسلافيا فى قضية (‪)Furundzua‬‬
‫اعتبرت أن العنف الجنسى ضد المرأة جريمة تعذيب‪ ،‬حيث أن حكمها اشتمل على أنه متى استجمع العنف الجنسى العناصر الأساسية لجريمة التعذيب‬

                                                                        ‫فقد يتم تكييفه قانونا على هذا النحو (جريمة أو فعل تعذيب)(‪((2‬‬
‫وعلى نفس النهج فإن الاغتصاب المنهجى والعنف الجنسى الذى تمت ممارسته على الضحايا من النساء اعتبرت هذه الأفعال أنها تتخذ شكل تعذيب‬
‫وانحطاط من الكرامة‪ ،‬فى أعقاب فترات الحروب ومن خلالها‪ ،‬ومن ثم فإنه يعتبر الاعتراف بالاغتصاب بوصفه تعذيبا يدخل فى نطاق حالة الحرب‪،‬‬
‫من خلال المحكمتين الدوليتين اللتين أنشئتا لمحاكم الجرائم المقترفة فى يوغوسلافيا السابقة ورواندا‪ ،‬على اعتبار الاغتصاب أحد أشكال تلك الجرائم‬

                                                                                            ‫بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان(‪((2‬‬
‫واستنادا إلى بعض المواثيق الأخرى والأحكام الضرورية التى أتت فى مثل هذه الظروف والملابسات على نحو‪« :‬حكم النظام الأساسى للمحكمة الذى‬

                                                                                        ‫(‪( (	(2‬المادة (‪-2‬ب) من اتفاقية الإبادة الجماعية)‬
‫(‪( ((2‬محمد خليل الموسي‪ ،‬باستخدام القوة فى القانون الدولى المعاصر‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬الأردن‪ ،‬ط ‪http:// www.stortimes.com/? )2004 ،1‬‬

                                                                                                                              ‫‪T=2406800‬‬
‫(‪( ((2‬محمود شريف بسيوني‪ ،‬المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬مدخل لدراسة أحكام وآليات الإنقاذ الوطنى للنظام الأساسي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬مصر‪ ،2004 ،‬ص ‪80-74‬‬

                ‫(‪((2‬ء (محمد لطفي‪ ،‬آليات الملاحقة فى نطاق القانون الجنائى الدولى الإنسانى دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬مصر ‪ 2006‬ص‪47-42‬‬
‫(‪( ((2‬لائحة ليبرا «قانون ليبرا» صدر فى ‪ ،1863/4/24‬حول هذه الجرائم ينظر د‪ /‬على عبد القادر القهوجي‪ ،‬المعاهدات الدولية أمام القاضى الجنائي‪ ،‬دار‬

                                                                                                     ‫الجامعة الجديدة للنشر ‪ ،19970‬ص ‪)95-60‬‬
                                                                                                     ‫(‪((2‬ء (المادة ‪ 27‬من اتفاقية جنيف)‬

                                                 ‫(‪( ((2‬المادة ‪ 8‬فقرة (‪-2‬ب ‪ )22 -‬والفقرة (‪-2‬ه ‪ )06 -‬من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية‪،‬‬
‫(‪((2‬ء المادة ‪ 2‬ب و‪ 5‬و من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لدولة يوغوسلافيا السابقة والمادتين ‪ 3‬و ـ و‪ 4‬أ من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية‬

                                                                                                                                ‫الدولية لرواندا‬

                                                                                     ‫أكتوبر ‪582024‬‬
   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63