Page 59 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 59

‫يتناول انتهاكات لقوانين أو أعراف الحرب ينطبق على النزاعات المسلحة الداخلية والدولية أيضا»(‪ ،((2‬وبناء عليه يتم المعاقبة على جرائم الاغتصاب‬
                             ‫والعنف الجنسى دون تمييز بسبب نوع النزاع باعتبارها جرائم حرب وإن لم يوجد اعتراف صريح بها كمخالفات جسيمة‪..‬‬
                                        ‫المطلب الثالث‪ :‬الاعتراف بالاغتصاب كجريمة ضد الإنسانية‬

      ‫لقد تغيرت النظرة إلى جريمة الاغتصاب بوصفها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية‪ ،‬نتيجة تطور القانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى‬
      ‫الجنائي‪ ،‬على اعتبار ارتكاب تلك الجريمتين سواء فى الحروب الدولية أو الحروب غير الدولية‪ ،‬وعليه فإن تم توسيع نطاق هاتين الجريمتين لتشملا‬

                                                                                                          ‫النزاعات المسلحة غير الدولية(‪((2‬‬
      ‫وعلى نقيض هذا التغيير فى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا فإنه فى الوقت ذاته تم النص على أن الاغتصاب يعاقب عليه كونه‬
      ‫جريمة ضد الإنسانية وأنه فعل يندرج ضمن اختصاصات المحكمة لتحديده فى المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف على أنه جريمة حرب ويتشابه‬
      ‫فى ذلك الإكراه على الدعارة وهتك العرض‪ ،‬فى حين أن المخالفات الواردة فى المادة الثالثة المشتركة وما يطلق عليها اسم المدونة الصغيرة للنزاعات‬

                                                                                          ‫المسلحة الداخلية تمثل جرائم حرب تستحق العقاب‬
      ‫وقد توسع مجلس الأمن فى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا بإدراجه صكوكا فى الاختصاص النوعى للمحكمة لا تشكل جزء من‬
      ‫القانون الدولى العرفى وذلك لا يمثل أية انتهاكات قد ينشأ عنها مسئولية جنائية فردية لمرتكبيها واعتماده المادة ‪ 4‬التى تتعلق بالانتهاكات الجسيمة‬

                                                                             ‫للمادة ‪ 3‬المشتركة بين اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافى الثاني‬
      ‫والجدير بالذكر هو توصل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى مسئولية المتهم جان بول اكايسو رئيس بلدية إقليم تابا وكونه مذنبا بجرائم ضد‬
      ‫الإنسانية بناء على الأدلة المقدمة من مجموعة المنظمات غير الحكومية النسوية المعنية بحقوق الإنسان إلى مدعى عام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا‬
      ‫عام ‪ ،1997‬والتى بينت أنه شجع وحضر بطريقة علانية على الاعتداء جنسيا على النساء أثناء حملة الإبادة الجماعية ضد سكان التوتسي‪ ،‬فالاعتداءات‬

                                                                                    ‫الجنسية المرتكبة ضد نساء توتسى كانت ممنهجة ونظامية‬
      ‫وتم استحداث تعريف جديد للاغتصاب من جانب القاضى نافانيثم بيلاى من جنوب إفريقيا‪ ،‬حيث امتد مفهوم الاغتصاب ليشمل كل اعتداء بدنى‬

                          ‫ذات طبيعة جنسية ضد شخص فى ظل ظروف تتسم بالقسرية‪ ،‬ويشمل مفهوم الظروف القسرية القوة والتهديد والإرهاب(‪((3‬‬
      ‫وفقا لتقرير سيراليون لعام ‪ 1998‬المقدم للأمم المتحدة‪ ،‬تم الإبلاغ من جانب الأمين العام لأمم المتحدة بوجود أدلة ودعائم قوية على ارتكاب أفعال‬
      ‫متعددة لإساءة حقوق الإنسان ضد السكان المدنيين وما يندرج فيها الاغتصاب‪ ،‬واتصاف تلك الأفعال بكونها ممنهجة ونظامية فازداد نطاق الإساءة‬
      ‫لحقوق الإنسان والعنف بشكل ملحوظ‪ ،‬وتم اعتبار كلا من المجلس الثورى للقوات المسلحة والجبهة المتحدة الثورية مسئولين عن الاعتداءات المرتكبة ومنها‬
      ‫القتل النظامى وبتر الأعضاء التناسلية وقطع الأوصال والاغتصاب وتتمثل هذه الإساءات جزءا من حملة إرهاب تسمى (عملية عدم ترك شيء حي)(‪((3‬‬
      ‫إن توسيع نطاق تعريف الجرائم الدولية خفف بعض الشيء فى التمييز بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية‪ ،‬والذى نتج عنه تجريم الاعتداءات‬
      ‫والانتهاكات لحقوق الإنسان فى رواندا وبالأخص التى ترتكب بصورة ممنهجة وعلى أبعاد واسعة وذلك بسبب الأفعال المشينة والعنف الجنسى ضد‬
      ‫النساء بشكل واضح بجانب الأحداث التى تميز بها النزاع المسلح فى يوغوسلافيا سابقا وتأثيره بشكل ملحوظ على ضرورة تدوين النظام الأساسى‬
      ‫للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والذى أوجب صراحة النظر إلى الجرائم ضد الإنسانية المقترفة أثناء نزاع مسلح ذات طبيعة داخلية‬

                                                                                             ‫أو اتصافه بطابع دولى وتوجيهه ضد المدنيين(‪((3‬‬
                                                            ‫الخاتمة والتوصيات‬
      ‫يؤكد البحث فى مجمله إلى ملامسة الهم الإنسانى الاجتماعى العالمى من خلال معاناة المرأة فى حق من حقوقها الطبيعية من خلال الاعتداء الصارخ‬
      ‫والعنف البائن على كيانها الذى يرتبط بتأثيره على دورها الحيوى والحاضن لفعاليات الحياة‪ ،‬وكونها مصدر الإخصاب والتكوين فى مسيرة الخلق‬

                                                                                       ‫والعالم‪ ،‬وحفاظا على مقدراتها الناشئة بنشأة الوجود‪..‬‬
      ‫كما يؤكد البحث على أهمية المعاهدات والمواثيق الدولية القانونية التى تكفل الحد من عملية الاعتداء والعنف بكل صوره من قتل واغتصاب للمرأة‬
      ‫كصور من صور التأثير أو القضاء أو إفناء حياة المرأة تحت أى مسمى من المسميات أو أى ظرف من ظروف الحروب الداخلية أو الخارجية أو الحملات‬

                                                                                                                            ‫الاستعمارية‬
      ‫كما يؤكد على ضرورة الاستمرار فى محاولة القضاء على التجاوزات والإصرار على انتهاك المواثيق والمعاهدات التى تجعل المرأة بعيدا عن عمليات‬

                                 ‫العنف والإبادة وإبعادها عن دائرة تأثير الحروب والاعتداءات سواء الأهلية أو الدولية حفاظا على عناصر الحياة فيها‬
                               ‫العمل على زيادة التوعية بكافة أنواعها بحقوق المرأة ومناهضة العنف وحماية الناجيات من العنف ونشر ثقافة تقبلهم‬

      ‫(‪ ((2‬جون دوغارد‪ ،‬سد الثغرة بين حقوق الإنسان والقانون الإنساني‪ :‬معاقبة المجرمين – المجلة الدولية للصليب الأحمر‪ ،‬ملف خاص ‪ 1998/1948‬حول حقوق‬
                                                                                          ‫الإنسان فى القانون الدولى الإنسانى السنة ‪ 11‬العدد ‪ ،61‬ص‪436‬‬
                                                                                                             ‫(‪ ((2‬المرجع السابق ص‪436 ،433‬‬

                                                                                 ‫(‪ ((3‬تم الإشارة إليه لدى د‪ /‬أمل فاضل عنوز‪ ،‬مرجع سابق ص ‪516‬‬
                                                                                                                          ‫(‪((3‬ء مرجع سابق‬

‫(‪ ((3‬جون دوغارد‪ -‬مرجع سابق‪ -‬ص ‪59 436‬‬
   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64