Page 37 - مجلة الثقافة القانونية - العدد الثاني
P. 37
نقدم فى هذا الباب من مجلة « ثقافة قانونية لأحد أهم إصدارات المكتبة
القانونية مؤخ ًرا وهو كتاب « المواجهة القانونية لظاهرة الفساد « للمستشار
الدكتور عبد المجيد محمود – النائب العام الأسبق ،الصادر فى موسوعة
الثقافة القانونية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .
ولم نجد ما نقدم به الكتاب من تلك المقدمة الشاملة التى كتبها المؤلف
موض ًحا بها الجوانب المختلفة لموضوع الكتاب .
دقيق فى منطقة ومقارنتها بأخرى ،وإنما يتم ذلك فى الغالب تعد ظاهرة الفساد هى أحدى أشد ظواهر السلوك الإنسانى
بشكل تقريبي ،فمعظم أعمال الفساد تتم بسرية ،ونادراً ما يتم
الكشف عن مثل هذه العمليات وخاصة تلك التى تتم فى الأوساط تعقي ًدا ،كما أنها تهدد بشدة أمـن وسـامـة ومصالح الأفـراد
الرسمية العليا ،فهذه الأوساط تشكل فيما بينها شبكة تقوم من والمجتمعات بصور متعددة .ولهذا السبب اهتمت كافة الـدول
والمجتمعات بالتصدى للفساد بكل الطرق والوسائل الممكنة .وقد
يتم ما ونـاد ًرا بالسرية أعمالها خلالها بأعمال الفساد وتحيط سارعت الدول حول العالم إلى وضع سياسات واستراتيجيات تعتمد
كشفها أو معرفة تفاصيلها.
على مشاركة كل قطاعات الدولة الرسمية وغير الرسمية ،وفى
وتختلف الأسباب التى تؤدى إلى نمو الفساد وانتشاره فى البلدان مقدمة تلك الجهود كانت الجهود التشريعية والعقابية لمكافحتها.
النامية ومنها مصر والدول العربية عنها فى الدول المتقدمة ،فالعوامل وقد استعان المهتمون بمكافحة جرائم الفساد بدراسة العلوم
التى تساعد على نموه فى الدول النامية تختلف إلى حد كبير عن الإنسانية والنفسية والاجتماعية والقانونية ،وذلك من أجل السيطرة
العوامل المساعدة على نموه فى الدول المتقدمة ،إلا أن طرق ممارسة على ظاهرة الفساد والحد من انتشارها ومحاربتها .إلا أن ذلك لم
املفن اسلافدسماتدشافبىهةالإلدوىل احلدناكمبييةرت،شوارعلكاوفةيهعلالىدذوللكالفإصنناقعديرًةابكبصيوًرار يؤد إلى الحد من ظاهرة الفساد بل زاد من خطورتها وشراستها
وانتشارها فى كل الدول.
مختلفة ،فالتنافس بين الشركات متعددة الجنسيات المتمركزة فى كما ساهم التقدم التكنولوجى فى جميع المجالات وخاصة مجال
الدول المتقدمة على صفقات الأعمال الدولية ،يدفع بهذه الشركات الاتصالات بين جميع أنحاء العالم إلى تطور أساليب ارتكاب الجرائم
إلى دفع رشاوى ضخمة للمسؤولين الحكوميين فى الدول النامية بوجه عام وظهور أشكال جديدة من جرائم الفساد على كافة
للفوز بهذه الصفقات .ولم تساهم سياسات التحول نحو الديمقراطية واجلرائصنماتعزةداوادلماعنلتومشاا ًرات المستويات .وزادت مشكلات دول العالم من
والأخذ بسياسات السوق فى التخفيف من نمو هذه الظاهرة بل على مثل :المخدرات وتزييف العملة وجرائم البيئة
العكس من ذلك تماماً ساعدت على نموها .وذلك يعود إلى عدم وسرقات الآثار والأعمال الفنية وغير ذلك .وقد تفاقمت جميع جرائم
تزامن هذا التحول مع حدوث تطوير فى القوانين المعمول بها فى ومشكلات الفساد إلى درجة تتجاوز قدرات جميع دول العالم بما
تلك الدول وخاصة منها القوانين التى تمكن الموظفين الحكوميين فى ذلك كل الدول الكبرى.
من الحصول على رشاوى نظير منح الشركات (من داخل الدولة أو والحقيقة المؤكدة فى عالم اليوم هى أنه لا يمكن لأى دولة من
خارجها) عقود حكومية أو تسهيلات أو امتيازات داخل الدولة ،أو دول العالم مهما كانت قوية أن تواجه الفساد بمفردها .فقد اتسع
منح استثناءات وامتيازات لأشخاص من الدولة ذاتها . نطاق التكامل الاقتصادى بين دول العالم وتعمق .كما تشابك النظام
وقد قضيت قرابة خمسين عاما من عمرى فى مواجهة الفساد المالى العالمى وقامت تحالفات عالمية بين الشركات ،وتساهلت دول
والفاسدين ،من خلال عملى فى النيابة العامة والقضاء ،بدءا ن فى بعض الدول رمتسعمد ًيداة الفساد إلى حد السماح كثيرة مع أنشطة
عملى معاونا للنيابة العامة ،حتى تشريفى بمنصب النائب العام ، الجنسيات إلى المدفوعة من الشركات بخصم الرشاوى
ثم رئاستى لوحدة غسل الأموال ،ومحاضراتى وكلماتى ودراساتى المسئولين فى الدول النامية من الضرائب على أساس أنها نفقات
فى العديد من المؤتمرات والندوات الوطنية والإقليمية والعالمية . مشروعة لتصريف الأعمال.
بعد كل تلك السنوات وجدت أن واجبا وطنيا تجاه المصريين ،بأن وتـزداد صعوبة مكافحة الـدول للفساد بصورة منفردة بسبب
أضع بين أيديهم هذا الكتاب المعنون ( المواجهة القانونية لظاهرة تعدد جرائمه وامتدادها بين القارات والدول ،وكذلك سهولة تحرك
الفساد ) ،شارحا كل ما يتعلق بالمفاهيم القانونية لظارهة الفساد العناصر الإجرامية وبخاصة المنظمة منها وتنقلها وسرعة هروبها
لغويا ودوليا بما فى ذلك أسبابه وصوره واشكاله الحديثه وعوامل واخفائها ،وربما يمكن اتمام الجرائم عن بُعد بسبب الشبكات
انتشاره وأخطاره وآثـاره ،وشارحا جرائم الفساد فى التشريع الإلكترونية العالمية .ويضاف إلى كل ذلك أن جهود الدول الساعية
الجنائى المصرى ،وموضحا لأهم آليات مواجهته فى مصر ،ثم إلى تتبع أنشطة الفساد الإجرامية عادة تواجه بعوائق الحدود
مبينا لأوجه التعاون الدولى بشأنه. الوطنية لدول أخرى وسيادتها على أراضيها واعتبارات الأمن
وقد لبيت دعوة الإبن العزيز المستشار الدكتور خالد القاضى – القومى لهذه الدول.
رئيس محكمة الاستئناف -والذى له باع طويل فى فكرة الوعى
بالثقافة القانونية منهجا وأداء -حين طلب منى نشر هذا الكتاب لذلك تزايد الاهتمام بظاهرة الفساد منذ النصف الثانى من
فى سلسلة موسوعة الثقافة القانونية التى يشرف على إصدارها نوالظا ًراجتلملاآثعايرة.الوسقلبديةظلهلرفتساادلععدليدى ثمانينات القرن الماضي ،وذلك
بالهيئة المصرية العامة للكتاب ،تطوعا منى للقارئ المصرى والعربى التنمية السياسية والاقتصادية
،كإسهام عملى بسيط أقدمه لبنى وطنى ،موفيا بعض الدين الذى من الدراسات التى اتخذت من قضية الفساد عنواناً لها ،قدم فيها
يطوق عنقى لمصرنا الغالية. الباحثون عرو ًضا لصور الفساد ومظاهره ،وتحليلات لهذه الظاهرة
فى محاولة جادة وصادقة من جانبهم لكشف وتعرية هذه الظاهرة
ولا يسعنى إلا أن أقدم شكرى وتقديرى لوزارة الثقافة ،وكذلك والدعوة إلى مكافحتها والحد من انتشارها ،خاصة وأن الفساد
للهيئة المصرية العامة للكتاب ،على تبنيهم لفكرة نشر الثقافة تحول من ظاهرة محلية إلى ظاهرة عالمية تتطلب التعاون الدولى
القانونية فى مصر ،وإتاحتها للقارئ غير المتخصص ،و حرصهما لمواجهتها وإبداء قدر أكبر من الاهتمام بإعادة النظر فى الترتيبات
على لقائى بهما – خلال زيارة خاطفة لمصر قادما من الإمارات الحالية لمواجهة الفساد ،ووضع استراتيجيات يتم تحديثها باستمرار
العربية المتحدة -فى اجتماع بمكتب الوزير ،نظمه المستشار لضمان مواجهة المشكلات الناتجة عن كل صور الفساد المعاصرة .ولم
خالد القاضى ،وكانت المفاجأة بانتهاء المسودة الأولى للكتاب ،بما تقتصر هذه الجهود على الدول المتقدمة ،وإنما شملت أيضاً الدول
ضاعف من شعورى بالمسئولية تجاه فكرة نشر الثقافة القانونية النامية التى تعانى اقتصاداتها ومجتمعاتها من تفشى هذه الظاهرة
أبريل 2024 بصورة أكبر مما تعانيه الدول المتقدمة ،حتى أصبح موضوع الفساد
لجموع القراء. يحظى بأولوية فى قائمة اهتمامات الحكومات فى الدول النامية .
وأدعو المولى عز وجل أن يلقى عملى هذا رضا الله أولا ،ثم والفساد ليس ظاهرة حديثة ،ولا هو مقتصر على البلدان النامية
قبول القارئ الكريم ،الذى أؤكد أنه المستهدف الحقيقى لكل برامج دون المتقدمة ،ومن غير الممكن معرفة مدى انتشار الفساد بشكل
التثقيف والتوعية فى مصر الآن.
37