Page 46 - مجلة تنوير 3
P. 46

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                    ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫يتغافـل أصحـاب التيـار الدينـي عـن أن معيـار‬                 ‫كشـف حقيقـة نوايـا أصحـاب هـذا التيـار‪ ،‬كان فـرج‬

‫الحكـم علـى رجـل السياسـة يتحقـق بمـدى إيمانـه‬               ‫فـودة مستشـرًفا للمسـتقبل‪ ،‬كان يتحـدث عـن المقبـل‬
‫بالديمق ارطيـة وتمسـكه بالوحـدة الوطنيـة‪ ،‬لا بقـدر‬           ‫مـن الأحـداث‪ ،‬وكأنـه يقـ أر فـي كتـاب مفتـوح‪ ،‬وقـد‬

‫صـدق أغلـب مـا تنبـأ بـه؛ لذلـك حـرص أصحـاب أدائـه للفـروض الدينيـة‪ .‬إن الإيمـان بالديمق ارطيـة‬

‫وبالوحـدة الوطنيـة هـى قضيـة سياسـية ُي َحاسـب‬               ‫تيـار الإسـام السياسـي علـى التخلـص مـن فـرج‬
‫عليهـا المـرء فـي الدنيـا‪ ،‬بينمـا أداء الفـروض الدينيـة‬      ‫فـودة؛ لأن كتاباتـه شـكلت خطـًار داه ًمـا علـى وجـود‬
‫قضيـة خاصـة ُي َحاسـب عليهـا المـرء فـي الآخـرة‬
                                                                                       ‫وانتشـار ذلـك التيـار‪.‬‬
                        ‫أمـام الله‪( .‬ص‪.)108‬‬
                                                             ‫لخـص فـرج فـودة الملامـح الرئيسـية لاسـت ارتيجية‬

‫وإذا انتقلنـا إلـى «معركـة الجمـل» الشـهيرة‪،‬‬                 ‫أصحـاب الإسـام السياسـي فـي النقـاط الآتيـة‪:‬‬

‫والتـي كان فيهـا «علـي بـن أبـي طالـب» وصحبـه‬                ‫يسـعى أصحـا ُب هـذا التيـار إلـى تغييـر مسـار‬
‫فـي جانـب‪ ،‬والسـيدة عائشـة زوجـة الرسـول ومعهـا‬              ‫المجتمـع مـن أجـل إقامـة دولـة دينيـة يحكمهـا مـن‬
‫طلحـة والزبيـر فـي جانـب‪ .‬دار اقتتـال مريـر بيـن‬             ‫يتصـورون أنفسـهم أوصيـاء علـى الديـن‪ ،‬ولا يـرون‬
‫الطرفيـن‪ ،‬بلـغ مـن ض اروتـه أن تعالـت بعـض‬                   ‫المسـتقبل إلا مـن وجهـة نظـر ضيقـة وأحاديـة‬
‫الصيحـات فـي الجانبيـن‪ ،‬تدعـو المقاتليـن إلـى أن‬
‫يطِّرفـوا‪ ،‬أي أن يقطـع بعضهـم أطـ ارف بعـض‪.‬‬                     ‫وشـديدة التعصـب والتخلـف فـي ذات الوقـت‪.‬‬

                        ‫(ص ص ‪)25 – 24‬‬                        ‫يـرى أصحـاب تيـار الإسـام السياسـي أن الحاكـم‬
                                                             ‫إذا اختلـف معهـم فهـو كافـر‪ ،‬ولا ولايـة لـه‪ ،‬وأن‬
‫وهنـا يتسـاءل فـرج فـودة‪ :‬هـل مـن الممكـن أن‬                 ‫البنـوك مرفوضـة لأنهـا تتعامـل بالربـا‪ ،‬والاختـاف‬
‫يجتمـع الزبيـر وطلحـة وعائشـة علـى باطـل؟ هـذا‬               ‫بيـن الجنسـين فـي الجامعـات مفسـدة‪ ،‬وعضويـة‬
‫مـن جانـب‪ ،‬وفيمـا يتعلـق بالجانـب الآخـر مـن‬                 ‫المـ أرة فـي المجالـس النيابيـة مخالفـة صريحـة للديـن‪،‬‬
‫الخصومـة‪ ،‬يواصـل فـوده تسـاؤله‪ :‬هـل مـن الممكـن‬              ‫وأنـه مـن الضـروري حظـر توليـة المسـيحي مناصـب‬
‫أن يجتمـع «علـي بـن أبـي طالـب» و«عمـار بـن‬                  ‫قياديـة لأنـه ذمـي‪ ،‬وأن صـوت المـ أرة عـورة‪ ،‬وأن‬
                                                             ‫النظـام الحزبـي بدعـة‪ ،‬وضـرورة منـع حفـات الغنـاء‬
   ‫ياسـر» و«عبـد الله بـن عبـاس» علـى باطـل؟‬

‫والحـق أن السـؤال يبقـى بـا إجابـة هنـا أو هنـاك‪،‬‬            ‫لأنهـا مجـون‪ ،‬وأن الفلسـفة ضلالـة ومفسـدة‪ ،‬وأن‬

‫المعـارض لهـم إمـا فاسـق أو مفسـد فـي الأرض أو أو إجابـة بالنفـي هنـا وهنـاك فـي ذات الوقـت‪ .‬إن‬

‫السـؤالين يقذفـان بنـا فـي قبـو مظلـم مـن الناحيـة‬           ‫مرتـد!! (ص ص ‪.)103 – 102‬‬

‫الدينيـة!! لكـن فـي وسـعنا أن نجـد مخرًجـا‪ ،‬إذا‬              ‫يحـرص أصحـاب التيـار الدينـي علـى خلـط‬
‫أدركنـا أن الأمـر برمتـه كان أمـر سياسـة قبـل أن‬             ‫السياسـة بالديـن‪ ،‬فهـم يتحدثـون إلـى المواطـن‬
‫يكـون أمـًار دينًّيـا‪ .‬لقـد كان أمـر حكـم قبـل أن يكـون‬      ‫فـي أمـور سياسـية صرفـة‪ ،‬ولكـن بلسـان الديـن‪،‬‬
                                                             ‫ويخوضـون فـي قلـب المصالـح الدنيويـة بمقولـة‬
     ‫أمـر «تحكيـم»‪ .‬ويسـتطرد فـرج فـودة قائـاً‪:‬‬

‫«وإلا فليفسـر لـي أحـد مصيـر ذلـك الفتـى مـن‬                 ‫ال ازهديـن‪ ،‬ويسـعون إلـى تمزيـق الصفـوف تحـت‬

‫أهـل الكوفـة‪ ،‬الـذي أمـره علـي بـن أبـي طالـب أن‬             ‫شـعار التمسـك بالعقيـدة‪( .‬ص‪.)107‬‬

                                                         ‫‪46‬‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51