Page 18 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الأندرويد
P. 18
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
إن التاريـخ العربـى هـو كالنهـر دفـاق الميـاه. مجلــــــــــــــــة
وتظـل للنهـر هويتـه منـذ آلاف السـنين برغـم جريـان
مائـه وتبدلـه ،يوًمـا بعـد يـوم ،بـل لحظـة فـى إثـر لذلـك تظـل قرينـة البحـث الـذي لا يتوقـف لتعـرف
لحظـة ...والـذى يحفـظ للنهـر هويتـه هـو الت ازمـه أسـ ارر الكـون والسـيطرة عليـه فك ّرًيـا وعلمًّيـا ،وقرينـة
الارتقـاء الدائـم بالإنسـان فـي واقعـه الاجتماعـي
مجـرى واحـًدا. والسياسـي ،الـذي يقـرن العلـم والنظـر بالعمـل،
لذلـك فالحفـاظ علـى الهويـة لا يعنـى دعـوة والعـدل والمسـاواة بالحريـة؛ الحريـة بحـق العقـل
لجمـود الهويـة الثقافيـة التـي فيهـا الكثيـر مـن البشـرى فـي التمـرد الدائـم علـى أدوات المعرفـة
الثوابـت التـي لا تقبـل المسـاس والتغيـر ،ولكنهـا وعلاقاتهـا الموروثـة أو المنقولـة عـن «الغيـر».
لا تسـتبعد إعـادة النظـر فـي متغيـ ارت تتجـدد هـذا الفهـم لثقافتنـا بوصفهـا ثقافـة مناهضـة للتقليـد
وتسـتحدث حسـب تطـور المجتمـع واحتياجاتـه، أو أنهـا ليسـت ترجمـة أو تلخي ًصـا للثقافـة الأوربيـة
وإذا كانـت عناصـر الثبـات تؤكـد التواصـل الـذي الغربيـة ،وإنمـا هـي محاولـة لصياغـة مفاهيـم ترتبـط
يربـط حاضرنـا بماضينـا ،فـإن عناصـر التغيـر بأوضاعنـا العربيـة المعاصـرة التـي تكافـح التبعيـة
تؤكـد المباينـة التـي تجعلنـا نشـعر أن يومنـا يغايـر بمعانيهـا السياسـية والاقتصاديـة والفكريـة ،وتسـعى
إلـى الاسـتقلال الـذي يحقـق حضـوره الفاعـل
أمسـنا ،وأن مسـتقبلنا يختلـف عـن حاضرنـا.
والمتميـز علـى كل المسـتويات.
إذن طبيعـة التفاعـل بيـن عناصـر الثبـات
وعناصـر التغيـر هـى مـا يصنـع الهويـة الثقافيـة لكـن هـذا لا يمنـع مـن الإفـادة مـن كل الخبـ ارت
للأمـة ،نحـن أمـة تتحـدث لغـة واحـدة هـى اللغـة الإنسـانية المتاحـة قدي ًمـا وحديثًـا ،ونحـن نتصـور أنـه
العربيـة ،تخضـع لمنظومـة قيميـة وتقاليـد تـكاد حـان الوقـت لأن تفيـد الثقافـة العربيـة المعاصـرة مـن
تكـون واحـدة ،فهـى مكـون مـن مكونـات الهويـة، تجـارب غيرهـا مـن الثقافـات ،وفـى النمـوذج اليابانـي
ومـن ثـم يصعـب القـول بأنـه مـن أجـل التواصـل مـع والصينـي وغيـره مـن النمـاذج التـي ن ارهـا واعـدة فـي
الثقافـة العالميـة ،أن نقبـل بتغريـب اللغـة العربيـة
أو أن نسـاير ثقافـات وعـادات وأع ارًفـا تتناقـض مـع العقـد الأخيـر مـا يسـتحق منـا الإفـادة.
خصوصيـة التـ ارث الثقافـي والحضـاري للأمـة.
وصـدق «غانـدي» حيـن قـال« :أنـا لا أريـد
وهنـا يجـب أن نفـّرَق بيـن شـرعية الحديـث عـن لوطنـي أن يبنـى الأسـوار حولـه فـي كل الاتجاهـات
إعـادة تجديـد الهويـة الثقافيـة العربيـة ،وتغذيتهـا أو يغلـق النوافـذ بينـه وبيـن الآخريـن ،وإنمـا أريـد
بعناصـر فعالـة تتـاءم مـع مقتضيـات العصـر أن تهـب ثقافـات كل بلـدان العالـم علـى منزلـي
الـذي نعيـش فيـه بـكل مـا فيـه مـن مسـتجدات حـرة قـدر الإمـكان ،بشـرط ألا يقلقـل أحـد موضـع
علميـة وفكريـة واقتصاديـة واجتماعيـة وسياسـية، قدمـي» ،وهـذه عبـارة عميقـة المعنـى ،قويـة الدلالـة،
وبيـن الاستسـام لدعـوات خارجيـة تطالبنـا بم ارجعـة تؤكـد علـى أن الانفتـاح علـى الآخـر والتحـاور
معـه لا يتعـارض مـع الهويـة القوميـة ،وأن قبـول
شـاملة وتغييـر جـذري لمفـردات هويتنـا. ثقافـة الآخـر لا يعنـى الذوبـان فيـه أو التنـازل عـن
مقومـات الثقافـة العربيـة.
18