Page 74 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 74

‫أ‪ .‬فؤاد مرسي‬                                                                    ‫الساعة الثانية ظهرا دائًم ا‬
                                                                                            ‫حين قامت الحرب مع إسرائيل‬
‫أما أهالي المدينة؛ فقد أنتجوا حكاية شعبية تقول إن من كان يقود‬
‫الطائرة المهاجمة سيدة يهودية‪ ،‬وليس طيارا كما كنا نظن‪ ،‬كانت‬        ‫لم أحمل سلاًحا ولم أرتد خوذة أو زيا عسكريا‪ ،‬فالحرب الحقيقية لم‬
‫تعيش هنا‪ ،‬وقد جمعتها قصة حب مشبوبة بواحد من شباب المدينة‪،‬‬         ‫تكن لأمثالنا الصغار بعد‪ ،‬لكننا كنا نعيش أجواءها في ألعابنا اليومية‪،‬‬
‫ولم تكتمل قصتهما‪ ،‬وظلت الفتاة تحمل جرحا عميقا في داخلها حتى‬       ‫وفي تجوالنا أنا ورفاقي مع رجال الدفاع المدني‪ ،‬وهم يدورون بين‬
‫رحلت مع عائلتها إلى إسرائيل‪ ،‬وهناك تطوعت في الجيش‪ ،‬والتحقت‬        ‫الأحياء منبهين على الأهالي أن يدهنوا زجاج النوافذ بالزهرة الزرقاء‬
‫بسلاح الطيران‪ ،‬وفي أثناء الحرب قادت طائرتها نحو مدينتنا لتنتقم‬
                                                                    ‫حتى لا تكشف البيوت عن نفسها ليلا؛ فتكون المدينة بأسرها صيدا‬
                      ‫منها جزاء لعدم وقوفها في صالح حبها القديم‪.‬‬                   ‫سهلا وهدفا مستباحا لغارات الطائرات الإسرائيلية‪.‬‬
‫إنه الحب الموءود‪ ،‬شحنته في قنبلة جاهزة للانفجار‪ ،‬لكن الطائرة لم‬
‫تفلح سوى في تفجير الحكايات وتجديد الأحلام‪ .‬حكاية تكونت لدى‬        ‫ندور في الشوارع نغني حين نلمح النوافذ‪ ،‬وقد تسرب منها الضوء‬
                                                                                                                       ‫إلى الخارج‪:‬‬
                 ‫الناس ليفهموا ما حدث باللغة التي يجيدون حبكتها‪.‬‬
‫دائما أنتظر الساعة الثانية‪ ،‬وأنصت لصوت المذياع‪ ،‬وهو يستعد‬                                                        ‫طفي النور يا وليه‬
                                                                                                                ‫إحنا عساكر دورية‪.‬‬
                            ‫لإذاعة النشرة‪ ،‬ربما تكون هناك حكاية‬   ‫وذات ظهيرة‪ ،‬انطلق من المذياع صوت يعلن أن قواتنا عبرت القناة‪،‬‬
                                         ‫جديدة نغذي بها أرواحنا‪.‬‬                                  ‫كانت الساعة الثانية وخمس دقائق‪.‬‬
                                                                  ‫تجمدت أجسادنا في أماكنها‪ ،‬وحلقت أرواحنا كالنسور في سماء‬

                                                                                                                           ‫المدينة‪.‬‬
                                                                  ‫جرينا في الشوارع‪ ،‬نشكل جيًشا من الفرح المرفرف‪ ،‬نشقشق ونبذر‬
                                                                  ‫الأغاني والضحكات‪ .‬ونطير في الهواء طائرات ورقية تستهدف‬

                                                                                                                    ‫طائرات العدو‪.‬‬
                                                                  ‫صرنا ننتظر الساعة الثانية من كل يوم حتى نلهم بفرح جديد‪ ،‬حتى‬

                                                                                                                        ‫جاء الخبر‪.‬‬
                                                                  ‫حلقت في سماء مدينتنا طائرة إسرائيلية‪ ،‬وحاولت ضرب كوبري بنها‬
                                                                  ‫التاريخي لإيقاف الحركة بين العاصمة وبقية أقاليم الوجه البحري‪،‬‬
                                                                  ‫فمدينتي قدرت لها الجغرافيا أن تكون هي القنطرة الواصلة بين‬

                                                                                                                          ‫الطرفين‪.‬‬
                                                                  ‫طائرة مصرية ظهرت في سماء المدينة‪ ،‬راحت تراوغ الطائرة‬
                                                                  ‫العدوة‪ ،‬صعودا وهبوطا‪ ..‬يمينا ويسارا‪ ،‬حتى استطاعت أن تخرجها‬
                                                                  ‫بعيدا عن المدينة‪ ،‬وهناك عند قرية ميت عاصم‪ ،‬عند المدخل الجنوبي‬
                                                                  ‫لبنها‪ ،‬وكان اليوم هو يوم سوقها الأسبوعي‪ ،‬سقطت الطائرة‬
                                                                  ‫الإسرائيلية‪ ،‬وانفجرت بين الغيطان‪ ،‬وتناثرت شظاياها دون وعي‬

                                                                                                            ‫تحصد أرواح العشرات‪.‬‬
                                                                  ‫كان الأمر مدعاة لأن يوجه الرئيس السادات وقتها خطابا لمجلس‬

                                                                             ‫الأمن يدين فيه الاعتداءات المتكررة على المواقع المدنية‪.‬‬

‫‪70‬‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79