Page 79 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 79

‫‪ -‬الاقتراب من الهاوية‪ :‬سمع ضابط مظلي آخر عبر الراديو قائد‬                              ‫مذكرات الجبهة‪ :‬صدمة البقاء‬
‫كتيبة دبابات سورية ُيبلغ أنه "وصل إلى حافة منحدرات الجولان‬
‫ويمكنه رؤية مدينة وبحيرة طبريا بوضوح"‪ .‬هذا المشهد المرعب‪،‬‬          ‫تكشف حكايات الجنود عن انهيار المعنويات في مواجهة خصم لم‬
‫إلى جانب شعوره بكارثة مماثلة على الجبهة المصرية‪ ،‬دفعه ليقول‬                    ‫يكن متوقًعا له هذا الثبات‪ .‬كانت الصدمة متعددة الأوجه‪:‬‬

                      ‫لنفسه‪" :‬هذه هي نهاية المشروع الصهيوني"‪.‬‬      ‫‪ -‬الثبات غير المتوقع للمصريين‪ُ :‬صدم الإسرائيليون من أن المشاة‬
‫أمام هذا الانهيار‪ ،‬لم يستطع حتى القادة الكبار الحفاظ على رباطة‬     ‫المصريين في ظهيرة حرب أكتوبر لم يفروا عندما هاجمتهم الدبابات‬
‫جأشهم‪ .‬في الأيام الأولى من الحرب‪ ،‬اقترح موشيه دايان‪ ،‬العائد من‬     ‫الإسرائيلية‪ .‬بل ثبتوا في مواقعهم وكسروا الهجوم‪ ،‬مستخدمين أسلحة‬
‫الجبهة‪ ،‬على رئيسة الوزراء جولدا مائير إجراء تجربة نووية‬            ‫سوفيتية جديدة فعالة‪ .‬هذا الثبات حطم الاعتقاد الأساسي بـ "ضعف‬
‫استعراضية في سماء الصحراء لتحذير العرب‪ ،‬وهو إجراء يعكس‬
‫حجم اليأس المطلق الذي وصل إليه صانعو القرار‪ ،‬بل واقترح لاحًقا‬                                                      ‫الجيوش العربية"‪.‬‬
‫النظر في توزيع الأسلحة المضادة للدبابات على الجبهة الداخلية إذا‬    ‫‪ -‬عذاب ذنب الناجي‪ :‬يروي أحد الجنود أنه ُأرسل مع رفاقه إلى‬
‫ما نجح السوريون في الاختراق والنزول إلى داخل إسرائيل نفسها‪.‬‬        ‫مرتفعات الجولان‪ ،‬وحين أصيبت دبابته بنيران العدو‪ُ ،‬قتل شريكاه‪،‬‬
‫كانت هذه المقترحات المتهورة دليًال على أن الخوف الوجودي‬            ‫بينما تمكن هو بصعوبة من تحرير نفسه من الحطام المشتعل‪ .‬أصيب‬
‫اليهودي قد عاد‪ ،‬وأن الحرب مثلت في نظرهم بداية نهاية "المشروع‬       ‫الجندي بجروح بالغة وُتِر ك في حالة صدمة تامة‪ .‬لم يكن الأثر‬
                                                                   ‫جسدًيا فحسب‪ ،‬بل كان استمرار حياته بينما انتهت حياة صديقيه يمثل‬
             ‫الصهيوني" وفقدان الإحساس بالقوة والحصانة المطلقة‪.‬‬     ‫له عذاًبا مدى الحياة‪ .‬بقيت الندوب على ذراعه تذكره بالألم الرهيب‬
                                                                   ‫الذي مر به في جسده وروحه‪ ،‬ولم تعد السردية البسيطة للصهيونية‬
                  ‫المحاسبة‪ ،‬والإنكار‪ ،‬والتحول السياسي‬
                                                                             ‫الدينية حول المنفى والخلاص منطقية بالنسبة له بعد الآن‪.‬‬
‫امتدت صدمة الحرب إلى ما هو أبعد من ميادين القتال؛ فالمجتمع‬
‫الإسرائيلي بأكمله تعرض لـ "الصدمة (‪ ")Trauma‬الجماعية‪ .‬وقد‬                                ‫مشاهد انهيار المشروع الصهيوني‬
‫حشد الفشل الاستخباراتي‪ ،‬والمفاجأة‪ ،‬والأداء الضعيف للجيش في‬
‫الأيام الأولى‪ ،‬والعدد الكبير من الضحايا‪ ،‬والاعتماد على إعادة‬       ‫شعر الجنود والضباط في الميدان بأنهم يشهدون نهاية إسرائيل التي‬
‫الإمداد من الولايات المتحدة‪ ،‬والتكلفة الاقتصادية الباهظة‪ ،‬الجمهور‬         ‫قاتلوا من أجلها‪ .‬جاء هذا الشعور من مشاهد متتالية للكوارث‪:‬‬
‫الإسرائيلي ضد حكومة جولدا مائير‪ .‬كما أدركت إسرائيل أنها كان‬
‫يمكن أن تتجنب هذه الكارثة لو أنها قبلت مبادرات السلام التي قدمها‬   ‫‪ -‬الكارثة في الجولان‪ :‬في اليوم الثاني من الحرب‪ ،‬تلقى قائد مظلي‬
                                                                   ‫على هضبة الجولان تقارير مروعة من جنوده‪ ،‬الذين كانوا يدافعون‬
                      ‫الرئيس السادات بين عامي ‪ 1971‬و‪.1973‬‬
                                                                                              ‫عن المواقع الأمامية تحت هجوم عنيف‪.‬‬
                    ‫البحث عن كبش فداء ولجنة أجرانات‬                ‫وعندما بقي الضابط مع جنديين لمراقبة تقدم قوة دبابات سورية‪،‬‬
                                                                   ‫رأى تلك الدبابات تدخل مستوطنة إسرائيلية تم إخلاؤها للتو‪ .‬وتفاقم‬
‫كاستجابة أولية للصدمة‪ ،‬كان "القمع" هو الأسلوب الأكثر شيوًعا‬        ‫اليأس عندما مر سرب من الطائرات الإسرائيلية فوق رأسه‪ ،‬ورأى‬
‫على المستوى المجتمعي؛ حيث حاول الأفراد والمجتمع مقاومة‬
‫الانخراط في الألم‪ ،‬خوًفا من "التحفيز المفرط" الذي يسببه‪ .‬وتجلت‬                           ‫الطائرات الأربع كلها تصاب بنيران أرضية‪.‬‬
                                                                   ‫‪ -‬الوداع الأخير‪ :‬أبلغ قائد فصيلة يائس أنه سحب رجاله إلى ملجأ‬
        ‫هذه الآلية في المجال السياسي عبر "البحث عن كبش فداء"‪.‬‬      ‫غير مكتمل لخوض معركتهم الأخيرة‪ ،‬بينما قوة سورية تتسلق‬
                                                                   ‫نحوهم‪ .‬قال الضابط عبر الراديو‪ُ" :‬قل للشباب وداًعا منا‪ .‬لن نرى‬

                                                                                                               ‫بعضنا بعًضا مجددًا"‪.‬‬

‫‪75‬‬
   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84