Page 81 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 81

‫‪ -‬حالة الخبير النفسي‪ :‬صراع الاعتراف المؤسسي‬                   ‫‪ -‬معدلات الاضطراب العقلي الشديد‪ :‬أظهرت الدراسات أن (‪)%43‬‬
                                                                     ‫( من أسرى الحرب الُمفَر ج عنهم عانوا من أعراض الاكتئاب والقلق‬
‫تجسد هذه الحالة نموذًجا للمحارب السابق الذي يعيش حالة إنكار‬          ‫وكرب ما بعد الصدمة‪ .‬والأكثر قسوة هو أن ثلث هؤلاء تم‬
‫ذاتي لمعاناته‪ ،‬حتى بعد تبوئه مناصب مهنية في المجال النفسي‪،‬‬           ‫تشخيصهم بإصابتهم بـ اضطراب كرب ما بعد الصدمة الحاد‬
‫يعاني المقاتل السابق من أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة‬
‫(‪ )PTSD‬مثل‪ :‬القلق والغضب واضطرابات النوم‪ ،‬لسنوات طويلة‪،‬‬                                                         ‫(‪.)Severe PTSD‬‬
‫دون أن يربطها بالصدمة‪ ،‬حتى وإن كان خبيًر ا في المجال النفسي‪،‬‬         ‫‪ -‬تسارع الوفاة‪ :‬كانت النتيجة الأكثر إثارة للقلق هي أن الصدمة‬
‫لكنه لا يدرك معاناته إلا متأخًر ا‪ ،‬غالًبا بعد أن يشير إليه زميل أنه‬  ‫العميقة ُتسّر ع عملية التقدم في السن وتزيد من معدل الوفيات‪ .‬بعد‬
‫يتحدث مثل المصابين بالصدمة‪ .‬هذه اللحظة تكون بمثابة "صحوة‬             ‫حوالي ‪ 35‬عاًما من الحرب‪ ،‬كان معدل الوفيات الإجمالي لأسرى‬
                                                                     ‫الحرب الُمفَر ج عنهم أربعة أضعاف مثيله لدى المقاتلين المشابهين‬
                               ‫مفاجئة" تفتح الباب أمام الاعتراف‪.‬‬     ‫الذين لم يقعوا في الأسر‪ .‬هذه الإحصائيات الدامغة أثبتت أن الإنكار‬
‫يواجه هذا المقاتل صعوبة بالغة في الحصول على الاعتراف‬                 ‫الجماعي لم يمنع الصدمة من اختراق الأعمق‪ ،‬بل ضاعف من ثمنها‪،‬‬
‫الرسمي بأنه مصاب باضطراب كرب ما بعد الصدمة (‪ )PTSD‬من‬
‫المؤسسة العسكرية‪ .‬وتكون عملية الاستجواب أمام اللجان الطبية‬                         ‫محوًال الجرح النفسي إلى خطر بيولوجي يهدد الحياة‪.‬‬
‫مؤلمة وقاسية‪ ،‬لدرجة أنها توصف بأنها "الأصعب والأكثر إيلاًما‬                                            ‫نماذج الانفجار المتأخر للصدمة‬
‫على الإطلاق"‪ ،‬حتى إنه يصفها بأنها "فاقت استجواب الأسر"؛ مما‬
                                                                     ‫تجسدت معاناة جيل الحرب في قصص شخصية كشفت عن الثمن‬
                              ‫يؤكد على استمرار الكبت المؤسسي‪.‬‬                                                ‫الباهظ لسنوات من الكبت‪:‬‬
‫لقد كانت هذه الأرقام والقصص شهادة صارخة على أن الصدمة‬
‫الوطنية الإسرائيلية في حرب أكتوبر لم تنتِه بوقف إطلاق النار‪ ،‬بل‬               ‫‪ -‬المحارب المتقاعد ونموذج الصدمة المكبوتة‪:‬‬
‫تغلغلت في أعماق الوعي الجماعي والفردي‪ ،‬لتنفجر متأخرة‪،‬‬
                                                                     ‫ُيمثل هذا النموذج حالة اضطراب كرب ما بعد الصدمة المتأخر‬
  ‫وتفرض على إسرائيل ثمًنا بيولوجًيا ونفسًيا دفعته على مدى أجيال‪.‬‬     ‫(‪ ،)Late-Onset PTSD‬نتيجة لسنوات من الكبت الاجتماعي‬
‫لم تكن حرب أكتوبر مجرد هزيمة عسكرية جزئية‪ ،‬بل كانت لحظة‬              ‫والمؤسسي؛ حيث يروي أحد الجنود المتقاعدين لخمسين عاًما تقريًبا‪،‬‬
‫كشف كبرى للضعف الإنساني والنفسي تحت قشرة الأوهام القومية‪.‬‬            ‫أنه يعيش في صمت‪ ،‬يكبت أهوال القتال خوًفا من تقويض صورة‬
‫لقد كان ثمن الإنكار باهظًا‪ ،‬ليس فقط مادًيا‪ ،‬بل ونفسًيا‪ ،‬مؤكدًا أن‬    ‫"الجندي الشجاع"‪ .‬ومع تقدمه في السن وتضاؤل أدواره الاجتماعية‪،‬‬
‫الإنكار ضاعف الثمن الوجودي والنفسي‪ ،‬وأن الصدمة تهديد حقيقي‬           ‫تنهار حواجز الدفاع النفسي‪ ،‬وتبدأ في "الاشتباكات" وصور غير‬
                                                                     ‫مفهومة تطارده في يقظته ومنامه؛ ليكتشف المحارب المتقاعد متأخًر ا‬
                                           ‫يتطلب مسؤولية كاملة‪.‬‬      ‫المعنى الحقيقي لصورة أو ذكرى تبدو غير عنيفة تطارده مراًر ا‬
                                                                     ‫وتكراًر ا‪ ،‬مدرًكا أنها تخفي تحتها مشهًدا مروًعا لجثث رفاقه لم‬
                                                                     ‫يستطع دماغه تقبله في حينه‪ .‬هذه اللحظة توصف بأنها "ضربة‬

                                                                                                       ‫جسدية" ُتفّجر الصدمة المكبوتة‪.‬‬

‫‪77‬‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86