Page 72 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
        P. 72
     د .أيمن صابر                                                                روايات ما بعد حرب أكتوبر
                                                                         رواية "الرفاعي" للغيطاني نموذًج ا
بل حّو ل "الرفاعي" إلى رمز للبطولة الشعبية والجماعية والحلم
بالنصر والتضحية والفداء؛ فقّدمه بوصفه إنسانا يعيش بين جنوده،        بعد حرب أكتوبر 1973م ،والتي مّثلت نقطة تحول كبرى في
ويشاركهم الخوف والأمل ،وليس بوصفه رمزا أسطوريا بعيدا عن             التاريخ المصري والعربي الحديث ،على حد سواء ،بدأت تتشكل
الواقع .وهنا تكمن قوة الرواية؛ إذ استطاعت أن توّفق بين البطولة      موجة من الروايات والأعمال الأدبية التي تناولت هذه المرحلة
الملهمة والصدق الإنساني ،وقد جاءت الرواية مبنية على المزج بين       الفاصلة ،وما تبعها من انعكاسات سياسية ونفسية واجتماعية ،وهذه
الوثائق والشهادات واللغة الأدبية التراثية ،التي يغلب عليها الطابع   الروايات لم تقتصر على تسجيل وقائع الحرب فحسب ،بل تجاوزت
الملحمي الشعبي ،فُيشعر القارئ أن البطولة ليست حدًثا لحظيا عابًر ا،  ذلك إلى تحليل النتائج وآثارها على الإنسان العربي ،ورصد
بل قدًر ا متجذًر ا في تاريخ الأمة العربية عامة ،والمصرية خاصة
                                                                         التحولات والتغيرات التي أثرت في المجتمع والوجدان الجمعي.
      التي لا تقبل الهوان ،ولا تعرف طريقا غير النصر أو الشهادة.     فهي لم تكن مواجهة عسكرية ستتوقف بعد رد الأرض المسلوبة ورد
                                                                    الاعتبار وإثبات الوجود والتفوق القتالي فحسب ،بل كانت نقطة
                                السياق التاريخي للرواية             انعطاف شاملة في الوعي الجمعي ،وفي إعادة صياغة العلاقة بين
                                                                    الإنسان وأرضه ،وبين المواطن العربي وتاريخه .هذه اللحظة لم يكن
ُكتبت رواية "الرفاعي" بعد سنوات قليلة من حرب أكتوبر ،حين كان        الأدب بمعزل عنها؛ إذ انطلقت أقلام الروائيين لتكتب عن الحرب وما
المزاج العام في مصر والعالم العربي متأثًر ا بأحداث العبور           بعدها ،محاولة أن تلتقط تفاصيلها ،وأن ترسم صورة جديدة للبطولة
والنصر ،وكانت الحاجة ملّحة لعمل أدبي يوّثق هذه اللحظة الفارقة،      والآلام والأحلام المتخيلة ومواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
ويترجمها إلى نص روائي قادر على أن يخّلدها في الذاكرة الثقافية.      ومن هنا برز ما يمكن تسميته بـ "روايات ما بعد حرب أكتوبر"،
والغيطاني ،الذي اشتهر بتوظيف التراث واللغة التراثية في أعماله،      وهي أعمال كتابية لم تسع إلى تمجيد النصر العسكري فحسب ،بل
لجأ هنا إلى أسلوب يجمع بين السرد الأدبي والوثائق الحربية؛ ليجعل
                                                                                     سعت إلى البحث والفحص وتشريح الواقع المعيش.
 الرواية شهادة حّية على زمن البطولة والتضحية والخلود والوطنية.
                                                                             من الهزيمة إلى النصر :تحّو ل في المزاج الأدبي
                                                                    لا يمكن فهم روايات ما بعد حرب أكتوبر دون الإشارة إلى الحياة في
                                                                    فترة ما قبل الحرب .فبعد هزيمة يونيو  ،1967دارت الرواية
                                                                    العربية في تجسيد تجربة الانكسار وتشخيصها ،فامتلأت نصوص
                                                                    تلك الفترة بمشاعر اليأس واللوم والخذلان والبحث عن أسباب
                                                                    الهزيمة .غير أن نصر أكتوبر كان له الفضل في إعادة الثقة
                                                                    للمصريين؛ ومن ثم تحول مسار الرواية من خطاب الانكسار إلى
                                                                    خطاب الفخر والعزة والنشوة والثقة في القدرة على استرداد الأرض.
                                                                    لكن هذا التحول لم يكن خطًّيا أو بسيًطا؛ فقد انقسم الأدب إلى
                                                                    اتجاهين :اتجاه احتفى بالبطولة والكرامة ،وآخر ظل يطرح أسئلة
                                                                    نقدية حول ما تحقق فعلًيا بعد الحرب ،خاصة في ظل اتفاقيات السلام
                                                                                     وتغّير الخريطة السياسية والاجتماعية في المنطقة.
                                                                      رواية "الرفاعي" :البطولة الملحمية والذاكرة الجماعية
                                                                    من أبرز الأمثلة على الروايات التي احتفت بالبطولة رواية
                                                                    "الرفاعي" ( )1976لجمال الغيطاني .والمحور الأساسي في الرواية
                                                                    هو توثيق سيرة البطل "إبراهيم الرفاعي" ،قائد قوات الصاعقة الذي
                                                                    استشهد في معارك أكتوبر .لكن الغيطاني لم يكتب سيرة فردية
                                                                                                                             فحسب،
68
     	
