Page 76 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
        P. 76
     المستشار جميل حليم                                       وعلى صعيد آخر ،فإن حرب أكتوبر انطوت على إنجازات تضع
                                                                 بصماتها الواضحة على التاريخ العسكري في القرن العشرين وما
                    نصر أكتوبر وفرحة المصريين                    بعده ،سواء من نواحي المفاجأة في الحرب ،أو إمكانات عبور
                                                المقدمة          وتحطيم أسطورة تحصينات الخطوط الدفاعية (خط بارليف) ،أو
                                                                 إمكانات الحرب الإلكترونية في الدفاع الجوي ،وقيمة الصواريخ
ُيَعّد نصر أكتوبر عام  ١٩٧٣من أعظم الانتصارات في تاريخ مصر
والعالم العربي؛ إذ نجح الجيش المصري في تحقيق إنجاز عسكري                                                 المحمولة ضد المدرعات.
وسياسي استثنائي أعاد لمصر كرامتها وأرضها بعد سنوات من            ومن أهم ثمار حرب أكتوبر وضع إرهاصات عملية السلام الدائم
                                                                 والمستدام ،ووضع نهاية تاريخية للصراع العربي -الإسرائيلي الذي
                    الانكسار عقب هزيمة النكسة في يونيو .١٩٦٧     يتأجج بين الفينة والفينه ،ويلقي بآثاره الوخيمة على كل الشعوب
لم يكن هذا النصر مجرد معركة عسكرية ،بل كان نقطة تحول فارقة       العربية وتقض مضاجعها ،وتبدد شعورها بالسكينة والهدوء في ظل
في تاريخ مصر؛ حيث مّثل لحظة استعادة الثقة بالنفس وتعزيز          حياة إنسانية كريمة .غير أن عملية السلام هذه تقف الآن عند مفترق
الوحدة الوطنية وإعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية في العالم    الطرق ،وتتعرض للتدمير والانهيار جراء التعنت والتعسف من قبل
العربي؛ فقد عّبر هذا الانتصار عن عظمة الإرادة المصرية وصلابة     الكيان الصهيوني وما زال يمضي قدًما في غيه وتقويض دعائم
الجندي المصري ،وعن الدور الحاسم لعزيمة القيادة السياسية في       السلام والاستقرار في الدول العربية التي يحتلها ،فضلا عن الشلل
                                                                 التام الذي يصيب جهود السلام والمراوغة الإسرائيلية في التنصل من
           استرداد الأرض وصون الكرامة ،مهما بلغت التضحيات.       مسؤوليتها والتملص من التزاماتها الدولية وخاصة الاعتراف بالدولة
                         الخلفية التاريخية لحرب أكتوبر                              الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
                                                                 ولا شك أن ذكرى حرب أكتوبر تذكرنا بحقيقة أن الثقة بالنفس،
عقب هزيمة  ،١٩٦٧واجهت مصر واحدة من أصعب مراحلها                  والاعتماد على الذات هما من الدعائم الأساسية لتحقيق النصر ،وأن
التاريخية؛ حيث سادت حالة من الإحباط واليأس داخل المجتمع          الروح الجسورة المتوثبة المتقدة بالحماسة والإقدام هي الحبل السري
والجيش عقب فقدان شبه جزيرة سيناء ،غير أن القيادة المصرية         الذي يربط بين تاريخ انتصارات العسكرية المصرية التي تمتد
أدركت أن هذه المرحلة لا يمكن أن تدوم ،فبدأت عملية إعادة بناء     مسيرتها منذ عام  2686قبل الميلاد عبر أكثر من  4500سنة،
شاملة للقوات المسلحة ،مادًيا ومعنوًيا ،بما ُعرف بحرب الاستنزاف   وظلت هذه الروح خالدة باقية راسخة داخل نفوس الشعب المصري
( ،)١٩٧٠ -١٩٦٧التي شّكلت تدريًبا عملًيا للجنود واختباًر ا لقدرة
الجيش على استعادة زمام المبادرة؛ إذ استهدفت إنهاك العدو وإثبات                                       لا تنال منها القرون والأزمان.
أن مصر ما زالت قادرة على القتال رغم التفوق العسكري
                                       الإسرائيلي في ذلك الوقت.
72
     	
