Page 75 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
        P. 75
     أ.د .عبد العزيز حمدي                                                  عودة الروح في حرب أكتوبر 1973
ومن الشعور المنكسر بالهزيمة ،إلى الشعور المتألق بالنصر ،ومن         الكاتب والأديب الكبير توفيق الحكيم ( )1987 – 1898مؤلف
الخروج من عالم الإمكان إلى عالم الواقع ،ومن مغادرة دياجير           رواية (عودة الروح) التي انتهى من كتابتها سنة  1927عندما كان
                                                                    طالبا في مدينة النور (باريس) ،ونشرها في سنة  ،1933وكانت هذه
                                  الظلام إلى دنيا النور والإشراق.   الرواية -ولا تزال -ثمرة يانعة ونتيجة إيجابية لبلورة مجموعة من
إن الطاقة المعنوية الهائلة ،التي انفجرت من الروح الجديدة غداة       العوامل الأدبية والسياسية تأثر بها توفيق الحكيم مثل أقرانه وأترابه
حرب أكتوبر ،والتي انبجست من الإرادة الفولاذية للتلاحم الشعبي        في مصر ،أرض الكنانة في فترة ما بين حربين ،من أهمها ثورة عام
بين صفوف الشعب المصري ،قد أحرزت انتصار أكتوبر الذي كان               1919التي اندلعت شرارتها مطالبة بعودة سعد زغلول ورفاقه الذين
محط الاهتمام من كل حدب وصوب ،والإنجازات الرائعة التي                نفوا بعيدا عن الوطن ،والتي شكلت انتصارا للفكرة القومية في
تمخضت عنه ،هي ما يفسر الاهتمام العظيم بمنجزات ونجاحات هذا           المجال السياسي ،وبعثت في نفوس المفكرين أملا في عودة الشخصية
النصر الكبير ،والذي قد يستعصي على الآخرين سبر أغواره وفهم
أبعاده الحقيقة العميقة .فالمؤامرة الإسرائيلية على العرب ليست ربيبة                                                 المصرية المتفردة.
هذا العصر ،ولكنها مؤامرة قديمة طويلة امتدت على طول التاريخ،         ولا شك أن الرواية أحرزت نجاحا هائلا في الأوساط الأدبية
وهي تلبس لكل حال لبوسها ،وتتخذ لكل موقف ما يلائمه من التنظيم        والفنية ،وفتحت عهدا جديدا في بناء الفكر القومي المصري ،وضخت
والتخطيط ،قصدا إلى تمزيق صفوفنا ،وإمعانا في تفريق كلمتنا،           دماء جديدة في شريان دم الإنسان المصري الذي هصرته المحن
                                                                    والكوارث حينئذ ليولد متدثرا بروح جديدة؛ ولذلك خطفت أضواء
            وإصرارا على تثبيط الهمم وقتل روح المبادرة والإقدام.     الشاشة الفضية وعرضها التلفاز المصري في مسلسل أخذ بمجامع
وكانت هزيمة  1967بمثابة الزلزال الذي هز بقوة من الأعماق             القلوب لأول مرة في عام  .1977فالرواية تجمع في وحدتها
كل الأصقاع في الوطن العربي بصفة عامة ،ولا سيما كل البقاع في         العضوية الأدبية بين "الفرد" ،و"الأسرة" و"الشعب" في آن واحد،
مصر أرض الكنانة ،وأحدثت تصدعا كبيرا وشرخا عميقا في روح              وصهرتها في بوتقة وطنية تمثل صفات "أسرة مصرية" ترمز إلى
الشعب المصري بات من العسير التئام جرحه وتضميده .حتى جاءت            أفراد الشعب بأسره ،أو بالأحرى شعب اجتمع على شيء واحد،
اللحظة الحاسمة في أكتوبر العظيم ،وأحدث انتعاشا معنويا هائلا في      والتف حوله ،وتغلغلت فيه روح الجماهير حتى صار فردا واحدا لا
                                                                    يتجزأ ولا ينفصم عراه ،تجمعهم المحنة وتعود الروح الجديدة إليهم
      روح الشعب الهامدة التي كبلتها قيود وأصفاد الهزيمة النكراء.
                                                                                                  وتنتشلهم من مهاوي اليأس والضياع.
  71                                                                لقد كانت حرب أكتوبر سنة  1973تجسيدا كاملا لهذه الروح
                                                                    الجسورة التي لم تذعن لما ران عليها من الخمول والكسل في أوقات
                                                                    الشدة والوهن ،بالإضافة إلى أنها كانت بالنسبة للشعب المصري هي
                                                                    الإنجاز العظيم الذي ظل ينتظره بأمل وشغف وقلق ،طوال سنوات
                                                                    صعبة ،بعد أن حاقت به الهزيمة المهينة في سنة  .1967وما كانت
                                                                    حرب أكتوبر أن تمحو الآثار الوخيمة الناجمة عن براثن النكبة
                                                                    النكباء ،وتدحر الكابوس الثقيل الجاثم على صدر الشعب المصري
                                                                    عموما ،وأجياله الشابة خصوصا ،إلا حدث باتساع وعظمة حرب
                                                                                                                      أكتوبر المجيدة.
                                                                    وإنه ليجدر بنا في هذا الموضع من الحديث ،أن نضع بين يدي
                                                                    القارئ حقيقة لا تخلو من دلالة ،وهي أن عبور القوات المصرية قناة
                                                                    السويس ،بعد ظهر السادس من أكتوبر سنة  ،1973كان عبورا
                                                                                                     بمصر كلها من اليأس إلى الأمل،
     	
