Page 25 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 25

‫إسرائيل لم تتجاوز مرحلة إنكار صدمة يوم الغفران‬
                     ‫تضارب السردية الإسرائيلية حول أشرف مروان‬

                           ‫يعرف علم النفس مرحلة الإنكار بأنها الاستجابة النفسية الأولى‬

                                                                ‫للصدمة والفقد‪ ،‬وتتمثل في رفض قبول الواقع أو الحقيقة المؤلمة‪،‬‬

                                                                ‫وذلك كوسيلة دفاعية لتجنب الشعور بالألم الشديد والسماح للعقل‬

                                                                ‫بالاستيعاب التدريجي للحدث‪ ،‬وتتميز هذه المرحلة غالًبا بعبارات مثل‬

                                                                ‫"هذا لن يحدث لي" أو "لا يمكن أن يكون حقيقًيا"‪ ،‬وهي آلية طبيعية‬

                                                                ‫تساعد على التأقلم أو رفض الواقع‪ .‬ورغم أن مرحلة الإنكار في‬

‫د‪ .‬محمود صبري‬                                                   ‫غالب الحالات تكون مؤقتة‪ ،‬وتنتهي بمرور الحدث أو نسيانه‪ ،‬فإنها‬
                                                                ‫في الحالة الإسرائيلية تحولت إلى عرض مزمن ضمن أعراض ما‬

‫ولقد فجرت قضية تسريب اسمه ‪-‬التي اتهم زعيرا بالمسؤولية‬                                                               ‫بعد الصدمة‪.‬‬
‫عنها‪ -‬أزمة داخلية في إسرائيل؛ إذ اعتبر الموساد أن ذلك عّر ض‬     ‫وعلى الرغم من مرور ‪ 52‬عاًما على حرب أكتوبر المجيدة‪ ،‬ما‬
‫حياة العملاء الآخرين للخطر‪ .‬أما فيما يخص وفاته‪ ،‬فتعددت‬          ‫زالت قضية الدكتور أشرف مروان‪ ،‬صهر الرئيس الراحل جمال‬
‫الروايات بين الانتحار والاغتيال المصري أو الإسرائيلي‪ .‬في‬        ‫عبد الناصر ومستشار الرئيس الراحل أنور السادات‪ ،‬تعد واحدة من‬
‫المقابل‪ ،‬كّر ست بعض الكتب مثل "الموساد‪ :‬العمليات الكبرى"‬        ‫أكثر ملفات التجسس تعقيًدا وإثارة في الذاكرة الإسرائيلية المعاصرة‪،‬‬
‫صورة مروان كجاسوس وفّي‪ ،‬بينما شدد باحثون مثل شمعون‬              ‫فمنذ وفاته الغامضة في لندن عام ‪ ،2007‬تحّو ل مروان إلى أيقونة‬
‫مندس على أنه "طبيب التخدير" الذي شّل وعي إسرائيل قبل‬            ‫استخبارية تتنازع حولها الأجهزة الأمنية والدوائر البحثية والإعلامية‬
                                                                ‫في إسرائيل‪ ،‬ما بين اعتباره "الملاك" الذي أنقذ إسرائيل بإنذار‬
                                                  ‫الحرب‪)1( .‬‬    ‫مصيري في حرب أكتوبر ‪ ،1973‬وبين تصويره كعميل مزدوج‬

 ‫احتدام الانقسام الأكاديمي والإعلامي (‪)2012-2011‬‬                          ‫زرعته المخابرات المصرية في قلب المؤسسة الإسرائيلية‪.‬‬
                                                                ‫نحاول في إطار هذه الدراسة رصد ومتابعة مختلف وجهات النظر‬
‫احتدم الجدل داخل إسرائيل حول الرقابة العسكرية وتسريبات‬          ‫الإسرائيلية في الفترة من ‪( 2007‬تاريخ الوفاة) حتى سبتمبر ‪2025‬‬
‫الإعلام الخارجي التي كشفت هوية مروان‪ ،‬وبرز كتاب الملاك‬          ‫(تاريخ إنهاء الدراسة) بشأن موضوعين رئيسيين‪ ،‬أو لتحري الدقة‬
‫لأوري بار يوسيف الذي صّو ره كأعظم مصدر لإسرائيل منذ‬             ‫علامتي استفهام كبيرتين لم تحسم إجابتهما بعد بشكل نهائي فيما‬
‫تأسيسها‪ .‬فيما أكدت الرواية المقابلة ‪-‬التي تبناها زعيرا ومندس‪-‬‬
‫أن مروان كان عميلا مخادعا نّفذ إستراتيجية السادات القائمة على‬                        ‫يتعلق برجل الأعمال المصري أشرف مروان‪:‬‬
‫التضليل والبلبلة‪ .‬وأعادت الصحافة الإسرائيلية‪ ،‬خاصة بعد نشر‬                       ‫‪ .1‬هل كان عمياًل إسرائيلًيا أم مصرًيا أم مزدوًجا؟‬
‫شهادات لجنة أجرانات‪ ،‬التأكيد على أن إنذار مروان في ‪ 5‬أكتوبر‬     ‫‪ .2‬كيف قتل أشرف مروان (انتحار أم انتقام إسرائيلي أو المخابرات‬
‫كان حاسًما‪ ،‬لكنه ضاع بسبب قصور القيادة‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬اتسمت‬
‫تلك الفترة بالانقسام‪ ،‬حيث انقسم الإعلاميون إلى فريقين‪ ،‬الأول‬                                                           ‫المصرية)‬
‫يقول إن مروان كان بطاًل أنقذ إسرائيل من الهلاك‪ ،‬والثاني اعتبره‬  ‫وفيما يلي سنستعرض معالجة الصحف والمواقع والكتب ووسائل‬
                                                                ‫الإعلام الإسرائيلية لقضية مروان في الفترة المذكورة أعلاه؛ وفًقا‬
                                  ‫الخديعة المصرية الكبرى‪)2(.‬‬
                                                                                                           ‫لتسلسل زمني تاريخي‪:‬‬

                                                                ‫وفاة مروان (‪)2010-2008‬‬

                                                                ‫شهدت هذه المرحلة صراًعا حاًدا بين تسفي زامير (رئيس الموساد‬

                                                                ‫الأسبق)‪ ،‬وإيلي زعيرا (رئيس الاستخبارات العسكرية في أثناء‬
                                                                ‫حرب أكتوبر)‪ .‬وأكد زامير أن مروان كان عمياًل إسرائيلًيا مخلًصا‬

                                                                ‫زّو د تل أبيب بمعلومات دقيقة‪ ،‬بينما أصّر زعيرا على أنه كان أداة‬

                                                                ‫في خطة الخداع المصرية‪.‬‬

‫‪21‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30