Page 45 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 45

‫د ‪ .‬أحمد المتولي‬                                                                    ‫العرب وحرب أكتوبر ‪1973‬‬
                                                                                            ‫ملحمة التضامن العربى‬
‫وفي جميع الأحوال كان نشوب الحرب بقرار مصري سوري‬
‫مشترك مفاجأة تامة لسائر القيادات السياسية والعسكرية العربية‬         ‫كانت الهزيمة العسكرية التي تلقتها الجيوش العربية عام ‪1967‬م‬
‫والعالمية أيًضا‪ ،‬ولا ريب في أن المفاجأة والسرعة في تجهيز القوات‬     ‫سبًبا رئيًسا في إدراك مدى وأبعاد الخطر الإسرائيلي‪ ،‬وتنامي حاجة‬
‫وإرسالها من مسافات بعيدة إلى الجبهتين المصرية والسورية قد أثرتا‬     ‫البلدان العربية إلى التعاون‪ ،‬فلقد برزت قدرة الجيوش والبلدان‬
‫في شكل المشاركة ونوعها وحجمها وقدرتها وكفاءتها تأثيًر ا كبيًر ا‪،‬‬    ‫العربية على الصمود‪ ،‬وامتصاص الهزيمة العسكرية‪ ،‬وأخذت تلك‬
‫فقد كان الأمر يحتاج إلى اتخاذ ترتيبات التعبئة والنفير‪ ،‬وتدبير‬       ‫الدول في إعادة بناء قواتها المسلحة‪ ،‬وزيادة قدراتها القتالية‪ ،‬ثم‬
‫وسائل النقل‪ ،‬وإعداد الأسلحة والذخائر والعتاد والتجهيزات الميدانية‪.‬‬  ‫عملت بلدان المواجهة على تحقيق التعاون فيما بينها‪ ،‬وآمن القادة‬
‫ولقد أدت هذه العوامل إلى إتمام الحشد بوتيرة متصاعدة‪ ،‬وإلى‬           ‫العرب بوحدة المصير وضرورة تشكيل قيادة واحدة تتولى التخطيط‬
‫وصول القوات إلى الجبهتين بسرعة‪ ،‬وفي مراحل متتابعة‪ ،‬وإلى‬
‫اشتراك القوات في القتال على أرض لم يسبق لها أن قاتلت عليها‪ ،‬أو‬                                                ‫لعمليات قواتها وقيادتها‪.‬‬
‫عرفت جغرافيتها العسكرية أو صفاتها القتالية؛ إذ وصلت بعض‬             ‫فقد عاب العمل العسكري العربي المشترك في العام ‪1967‬م أنه‬
‫القوات في أثناء القتال‪ ،‬في حين وصل بعضها الآخر بعد انتهاء‬           ‫تجاهل تماًما جهًدا ضخًما من التعاون العربي منذ توقيع اتفاق الدفاع‬
‫القتال أو قبيلة‪ ،‬وكان لسرعة زج تلك القوات في العمليات نتائج‬         ‫العربي المشترك‪ ،‬هذا بالإضافة إلى أن الأوضاع في فترة عدوان‬
‫مضرة في بعض الأحيان؛ بسبب عوامل السرعة‪ ،‬وضغط الأحداث‪،‬‬               ‫‪1967‬م لم تمنح العرب الفرصة الزمنية الكافية لتحقيق قدر مناسب‬
                                                                    ‫من التنسيق‪ ،‬كما أن هذا الإطار التعاوني كان محدوًدا بالدول التي‬
                                  ‫وتطور القتال‪ ،‬وضعف التنسيق‪.‬‬       ‫وقعت اتفاقيات التعاون العسكري والدفاعي المشترك‪ ،‬وهى ثلاث‬
‫فمن الأمور البديهية في علوم الحرب وفنونها أن أي قوة مسلحة يراد‬      ‫دول‪ ،‬بينما كانت هناك فرصة ممتازة للاستعانة بدول من خارج تلك‬
‫لها أن تشترك في القتال لا بد من أن تتوافر لها شروط معينة حتى‬        ‫الاتفاقيات‪ ،‬فتلك الاتفاقيات التي ُو قعت بين كٍّل من مصر وسوريا‬
                                                                    ‫والأردن لم تكن قد وصلت بعد إلى درجة التنسيق التي تسمح‬
                    ‫يكون اشتراكها فعااًل ومؤثًر ا في سير المعركة‪،‬‬   ‫باستخدام القوات الجوية السورية والأردنية لتعطيل مطارات إسرائيل‬
                                                                    ‫في أثناء توجيهها الضربة الجوية الشاملة ضد مصر لتحييد القوات‬
  ‫‪41‬‬                                                                ‫الجوية المصرية وإخراجها من المعركة مبكًر ا‪ ،‬ثم التحول بعد ذلك‬
                                                                    ‫إلى باقي الجبهات‪ ،‬أو استخدام مرابض المدفعية الأردنية في الضفة‬
                                                                    ‫الغربية التي تقع في مدياتها المطارات الإسرائيلية المستخدمة في‬
                                                                    ‫الضربة الإسرائيلية الشاملة‪ ،‬وكذلك لم تمكن هذه الاتفاقيات من‬
                                                                    ‫الاستفادة من القوات المسلحة العراقية؛ إذ امتنع الأردن عن السماح‬
                                                                    ‫لتلك القوات بدخول أراضيه خشية أن يكون ذلك ذريعة للعدوان‬

                                                                                                                               ‫عليه‪.‬‬
                                                                    ‫لقد سجلت حرب أكتوبر ‪1973‬م صفحة متميزة في التاريخ‬
                                                                    ‫العسكري العربي المعاصر‪ ،‬وأصبحت درة تاج العسكرية المصرية‬
                                                                    ‫والعربية‪ ،‬حين اشتركت قوات اثني عشر قطًر ا في القتال ضد‬
                                                                    ‫إسرائيل‪ ،‬على اختلاف حجم المشاركة ومدتها‪ ،‬فلقد كانت تلك‬
                                                                    ‫المشاركة في بعض أشكالها وأنواعها ومصادرها‪ :‬أواًل إما وليدة‬
                                                                    ‫قرارات وخطط سابقة كانت قد ُو ضعت في إطار جامعة الدول‬
                                                                    ‫العربية (مجلس الدفاع العربي المشترك)‪ ،‬أو في إطار اتفاقيات‬
                                                                    ‫دفاعية بين بعض البلدان العربية‪ ،‬وثانًيا إما وليدة قرار اتخذ بعد‬

                                                                        ‫نشوب الحرب‪ ،‬وخارج إطار القرارات والخطط السابقة للحرب‪.‬‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50