Page 78 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
        P. 78
     حرب أكتوبر :73الصدمة الوجودية واضطراب كرب
    ما بعد الصدمة الذي حطم أوهام القوة الإسرائيلية
                                                                    صدمة "يوم كيبور" وتحطم وهم القوة المطلقة
         د /.ريم أبو الوفا                                          ألقت حرب أكتوبر  ،1973المعروفة في إسرائيل بـ"حرب يوم
                                                                    كيبور" ،بظلال كثيفة وغامضة كصدمة وطنية عميقة على إسرائيل.
يبدو أن دايان أدرك مدى الكارثة الفعلية ،وأن ما يحدث لا يمكن         لم تكن مجرد هزيمة عسكرية ،بل كانت لحظة تحطيم للأسس
إيقافه بسهولة ،ناهيك عن عكسه .هذا التزعزع في قائد بوزن دايان
                                                                                        الإستراتيجية والنفسية لتي قامت عليها إسرائيل.
                   أرسل موجات من الذعر واليأس عبر الصفوف.           هذه الصدمة ليست مجرد نتيجة لهجوم عسكري ،بل هي نتيجة
امتدت الصدمة إلى أفراد أطقم الدبابات الشباب وقادتهم الذين تحملوا    لانهيار أسطورة ،هي أسطورة القوة المطلقة ،أسطورة "الجيش الذي
وطأة المعركة منذ البداية ،وإلى قادة سلاح الجو الذين أحبطوا بفعل     لا ُيقهر" ،التي سادت بعد الانتصار الإسرائيلي في حرب الأيام الستة
فعالية الدفاعات الجوية العربية الجديدة ،وضباط الاستخبارات الذين     سنة  .1967كان هذا الانتصار قد رسخ في الوعي الإسرائيلي
كانوا ساخطين على فشلهم الذريع .الجميع وقع تحت نير الصدمة،
عاجًز ا عن التفكير بوضوح .لقد جاء هجوم أكتوبر  1973ليؤكد أن                                    غطرسة مبنية على افتراضين رئيسيين:
العرب ،الذين طالما اسُتخَّف بهم كخصوم جديين ،قد نجحوا في صدم               -أحدهما :إن الجيوش العربية أصبحت ضعيفة ويسهل سحقها.
إسرائيل بعمق .وكانت ِفرق جنودهم تتدفق عبر خطوط الجبهة               -والآخر :إن أي اختراق مفاجئ للجبهة الإسرائيلية سيتم احتواؤه
الإسرائيلية المتهاوية قبل أن تستكمل إسرائيل حتى تعبئة الاحتياطي،    بفضل التفوق الجوي الإسرائيلي؛ مما ُيتيح الوقت حتى وصول قوات
الذي ُيشكل العمود الفقري لجيشها .لقد اهتزت الافتراضات
الإستراتيجية الأساسية لإسرائيل ،ولم تكن هناك حلول سريعة تلوح                                                                الاحتياط.
                                                                    كان حجم الصدمة يفوق أي وصف؛ حيث اندلعت الحرب في أكثر
                                                       في الأفق.    الأيام رمزية وقدسية :يوم عيد الغفران (يوم كيبور) ،وفي يوم سبت،
                                                                    في الساعة الثانية بعد الظهر ،شكل توقيت الهجوم المفاجئ ضربة
                        صدمة الجبهة والخطر الوجودي                  مزدوجة ،مدمرة للروحانية واليقين العسكري .أصابت الصدمة فوًر ا
                                                                    أعلى المستويات القيادية ،لدرجة أن رئيسة الوزراء جولدا مائير
في خضم انهيار القيادة ،كانت وطأة الصدمة الحقيقية ُتعاش في           وسكرتيرها فكرا في الانتحار بعد أقل من  24ساعة من بداية
الخطوط الأمامية ،بالنسبة للعديد من الجنود الذين اندفعوا إلى الجبهة
                                                                                                                             الحرب.
في حرب يوم كيبور ،تحولت التجربة العسكرية إلى مأساة شخصية                                              انهيار الأيقونة والرمز
                                 وتحٍّد وجودي هّز إيمانهم الراسخ
                                                                    لا شيء يعكس عمق الكارثة أكثر من انهيار الرمز العسكري الأول
                                                                    لإسرائيل ،وزير الدفاع موشيه دايان .كان دايان ،البالغ من العمر
                                                                     58عاًما ،أيقونة القوة والقيادة الحكيمة في كل حروب إسرائيل .حين
                                                                    وصول إلى الجبهة في الجولان فجر ذلك اليوم للإحاطة بمدى
                                                                    الاختراق السوريُ ،صدم الجميع من مظهره؛ حيث وصفه قائد رفيع
                                                                    هناك بأن وجهه كان شاحًبا ويداه ترتجفان ،معلنًا أن "الهيكل الثالث
                                                                                                                          في خطر".
74
     	
