Page 18 - 777777المنظور السياسي
P. 18

‫مـن هـذا المنطلـق‪ ،‬نركـز هنـا علـى أحـد القطاعـات‬            ‫للوطـن والانفتـاح علـى التعـدد‪ ،‬وبيـن الـولاء للمؤسسـات‬
‫المهمـة فـي عمليـة البنـاء لل أرسـمال البشـري وهـي‬           ‫وحـق الفـرد فـي النقـد والمسـاءلة فـي إطـار مـن الثوابـت‬
‫الجامعـات كمؤسسـات لهـا دور لا ُيسـتهان بـه فـي تنميـة‬       ‫الوطنيـة المعلومـة للجميـع والمتوافـق عليهـا فـي إطـار‬
‫وعـي طلابهـا السياسـي وتنشـئتهم‪ ،‬مـن خـال الاسـتفادة‬
‫مـن المتخصصيـن‪ ،‬فـي ظـل مـا تشـهده المنطقـة العربيـة‬                                              ‫توافقـي سـليم‪.‬‬
‫مـن أحـداث؛ ُبغيـة إعـداد جيـل قـادر علـى تفهـم طبيعـة‬
‫منطقتـه والتحديـات التـي تواجههـا وتواجهـه مـن خـال‬          ‫وفي السـياق المصري‪ ،‬تبرز الحاجة الما ّسـة إلى إعادة‬
‫عمليـة تعليميـة بمخرجـات قياديـة وطنيـة‪ ،‬ولكونهـا‬            ‫صياغـة مشـروع بنـاء الإنسـان ليشـمل أبعـاًدا سياسـية‬
‫يمكـن أن تكـون فعالـة فـي إطـار الرغبـة فـي الحصـول‬          ‫واجتماعيـة واضحـة‪ ،‬تتجـاوز الخطابـات العامـة إلـى‬
‫علـى نتائـج نو ًعـا مـا سـريعة دون الانتظـار لمخرجـات‬        ‫إصـاح مؤسسـي ملمـوس‪ُ ،‬يمّكـن المواطـن مـن التفاعـل‬
‫تعليميـة مـن المسـار الطبيعـي لعمليـة التنشـئة مـن خـال‬      ‫مـع الدولـة لا بوصفـه تاب ًعـا‪ ،‬بـل شـريًكا فـي صناعـة‬
‫المؤسسـات وتدرجها الوظيفي في هذه العملية المسـتمرة؛‬          ‫القـ ارر الوطنـي بعـد أن يعـد لذلـك‪ .‬وهـذا يسـتلزم تجـاوز‬
‫لهـذا سـوف نرجـع ‪ -‬فـي هـذه الجزئيـة مـن الد ارسـة ‪-‬‬         ‫نمـاذج التنشـئة السـلطوية إلـى نمـاذج ممارسـية تشـاركية‬
‫إلـى الإجابـة عـن التسـاؤلات الآتيـة‪ :‬مـا الأسـس التربويـة‬   ‫تألـف ثقافـة التعـاون لا الإقصـاء‪ ،‬وتُعـزز المواطنـة‬
‫المقترحـة لـدور الجامعـات فـي تنميـة الوعـي السياسـي‬         ‫المتوازنـة‪ ،‬وتُرّسـخ الثقافـة الدسـتورية‪ ،‬وتُعيـد الثقـة بيـن‬
‫لـدى طلابهـا وتنشـئتهم فـي ظـل عالـم جديـد يتشـكل‬
‫وسـباق تكنولوجـي غيـر مسـبوق مـع عـدم توافـر الوقـت؟‬                                    ‫الفـ�رد ومؤسسـ�ات الدولـ�ة‪.‬‬
‫ومـا الإجـ ارء الضـروري اتخـاذه لتفعيـل دور الجامعـات‬
                                                             ‫وهـذا يتطلـب سـنوات طويلـة مـن خـال مسـار‬
                ‫مـن وجهـة نظـر سياسـية اجتماعيـة؟‬            ‫المؤسسـات التقليديـة للتنشـئة‪ ،‬وهـو أمـر لـم يعـد فـي‬
                                                             ‫الإمـكان فـي الوقـت ال ارهـن؛ لـذا نقتـرح أن تتبنـى الدولـة‬
      ‫	•دور الجامعات من وجهة نظر سياسية‪:‬‬                     ‫المصريـة‪ ،‬بالشـ اركة مـع المؤسسـات التربويـة والمجتمـع‬
                                                             ‫الأهلـي‪ ،‬اسـت ارتيجية وطنيـة شـاملة للتنشـئة السياسـية‪،‬‬
‫تتبـوأ المؤسسـات الجامعيـة دوًار يتميـز بالأهميـة‬            ‫تُدمـج فيهـا قيـم المواطنـة والحريـة والعدالـة والك ارمـة‪،‬‬
‫والخصوصيـة فـي هـذا المضمـار؛ وذلـك لأن الجامعـات‬            ‫باعتبارهـا الأسـاس الأخلاقـي والمعرفـي لبنـاء الإنسـان‬
‫فـي مسـتوى أدائهـا وتطورهـا كانـت ومـا ازلـت تشـكل‬
‫تاريخًّيـا قاطـ ارت المجتمـع نحـو العلـم والديمق ارطيـة‬                  ‫المصـ�ري فـ�ي القـ�رن الحـ�ادي والعشـ�رين‪.‬‬
‫بمفهـوم المشـاركة والمؤاخـاة فـي المصالـح فـي إطـار مـن‬
‫الثوابـت الوطنيـة‪ .‬ففـي قاعـات الجامعـات نمـت الحـركات‬       ‫ينتـج عـن هـذا مجموعـة مـن المتغيـ ارت التـي طالـت‬
‫الديمق ارطيـة (تعاونيـة ‪ -‬تشـاركية)‪ ،‬ونمـا الحـس الوطنـي‬     ‫انعكاسـاتها جوانـب متعـددة ذات ارتبـاط وثيـق بمهـام‬
‫الَباِنـي للأوطـان‪ ،‬وتفتـق العقـل البشـري عـن طاقاتـه‬        ‫ووظائـف التعليـم العالـي‪ ،‬خصو ًصـا فـي مجـال الد ارسـات‬
‫الإبداعيـة فـي مختلـف المياديـن والاتجاهـات‪ ،‬وهـذا هـو‬       ‫السياسـية والاجتماعيـة‪ ،‬لقـد نَّبهـت كل المتغيـ ارت التـي‬
‫المنطلـق الـذي جعـل عـدًدا كبيـًار مـن الباحثيـن والمفكريـن‬  ‫تحدثنـا عنهـا لأهميـة امتـاك الـدول مصـادر إبـداع‬
                                                             ‫وتنظيـم واختـ ارع وامتـاك للمعلومـات لإعـداد جيـل جديـد‬
                                                             ‫قـادر علـى المنافسـة محقًقـا لطموحـه‪ ،‬والبعـد عـن حالـة‬
                                                             ‫الانسـداد والإحبـاط التـي كانـت إحـدى أسـباب التدهـور‬

                                                                                              ‫الحقيقـي للمجتمـع‪.‬‬

                                                             ‫‪18‬‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23