Page 95 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 95
93 إبداع ومبدعون
قصــة
تشقان الفراغ ،في عراك مع الهواء الخانق بينهما،
فكيف له ألا يجاريها..
-ربما أكون انتحرت كذلك!
شهقت من شفتين مبتسمتين..
-يا إلهي ..أنت تحبني بالفعل إلى هذا الحد؟
كان دوره ليسعى بكفين مرتعشين نحو كفيها.
أطفأ فيهما رعشته ،فقال:
-بالأمس عدت من جنازتك ..تناولت كل الحبوب
المنومة التي أستعين بها على قضاء الليل بعي ًدا عن
دفئك ..اندسست في الفراش بجوارها ،وأنا أعلم
أنها المرة الأخيرة ،وأنني سأصحو لأجدني معك
مثل كل صباح ..ولكنه سيكون صبا ًحا بلا نهاية..
صباح حتى الأبد.
أغمضت عينيها على خيالات أثارتها كلماته..
-يا لك من عاشق.
ولكن حيرته بين الاحتمالات دفعته للقول:
-ولكن أترينه هو ما حدث فع ًل؟
-بلى ..نحن موتى يا حبيبي ..موتى م ًعا ..لا
ينقصنا سوى إعلان موتنا أمام العالم لنحيا.
ترك يديها ورشف من الشاي ،كان يسعى لإثبات،
وظن أنه وجده..
-ولكن كل شيء يبدو حولي مثل الحياة ..الهواء،
والصباح ،وطعم الشاي.
لم يعجبها منطقه .رفضته أو ًل بهزة رأس ،ثم
بقول:
-نحن موتى منذ زمن اللقاء الأول ..منذ ابتداء
العشق .ماذا تقول عن لقائنا هنا بين جدران
مغلقة ..نخشى النوافذ ،ونتهامس حتى لا يفضحنا
الصوت ..نخشى الشمس وضوءها حتى لا
تفضحنا ظلالنا اللعوب ..أليس هذا بموت؟ حبنا لا
يحيى سوى داخل هذا القبر المصمت.
-بلى ..أنت محقة.
-بالطبع أنا محقة ..الآن نحن موتى ح ًّقا لا مجا ًزا..
العالم كله صار قبرنا .يمكننا أن نحيا موتنا في
كل مكان .تحررنا من لعب دورينا الهزليين كزوج
مخلص ،ومطلقة منبوذة ..الآن يمكننا أن نتلاحم
ونخرج للضوء م ًعا.
كلماتها كانت كالسحر ،فكيف يمكن أن يرفضها..
-بلى ..هو كذلك ..دعينا نخرج ..لن يرونا ،فالموتى