Page 97 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 97
95 إبداع ومبدعون
قصــة
رددها لنفسه بصوت خافت ،واستدار يتأمل زوجته عادت لتشهق..
وهي تضع زينتها؛ قلم الكحل كان يدور حول -أنت ح ًّقا لا تتذكر!
عينيها ببراعة حذرة ،يرسم سوا ًدا جدي ًدا يأكل من -أتذكر ماذا؟
السواد القائم ،وعيناه كانتا تتحلقان بسواد الخوف -اجلس أو ًل؛ دعنا نفتح النوافذ لشمس الصباح.
جلس على أقرب مقعد ،ودارت هي على نوافذ الشقة
والارتباك .الفرشاة كانت تبدر على خديها آثا ًرا وشرفاتها تفتحها .الضوء المندفع أجبره على إغلاق
باهتة لورود ربانية أذبلتها الأيام ،ووجهه كانت عينيه لثوا ٍن ،ولما فتحها كانت هي أمامه وسط هالة
تتفتح ملامحه على تآكل الروح دهشة. قدسية من الضوء العابر للنافذة خلفها .جلست
-مستحيل! أمامه على ركبتيها ،وقبضت على كفيه.
الحمرة الفاقعة كانت لم تزل تتشكل على الشفة -ليلة أمس كانت خير من ألف حلم ..غمرنا
العليا حين توقفت لتجيبه.. جسدينا في عشقهما بلا قيود ،فبلغا أعما ًقا لم
-ع َّما تتحدث؟ يبلغاها قب ًل .كم كنت محبًّا رقي ًقا ،كري ًما ،وأنت
تحقق لي كل أحساس تمنيته طوي ًل وصدني حيائي
لم يق َو على مداراة أفكاره ،فقال: عن طلبه ..أنا كذلك تفجرت عيون جرأتي ،وأدخلتك
-لقد رأيت كل هذا من قبل. عالم عشق ما ظننت أني أملك مفاتيحه ..غسلتك
استدارت له.. من الدنيا وغسلتني ..نقيتك من دنسها ونقيتني..
-ماذا تقصد؟ فإن كان مغادرة الحياة الدنيا إلى عالم آخر يدعى
مو ًتا ،فأنت لست وحدك الميت إ ًذا ..لقد متنا م ًعا ليلة
لم يجبها سوى بالابتعاد؛ انطلاقته طالت فبلغت
باب الشقة .قبل أن يغلقه خلفه أدركه صوتها أمس ..موتة لا أرجو لها بعثًا.
تصرخ: صوتها حنون ،عيناها لامعتان ،لمسة كفيها دافئة؛
-اذهب لتبك في حضنها كالأطفال ..لقد استحوذت فكيف له ألا يجاريها؟
عليك تلك الشمطاء. -بلى ..هو كذلك ..نحن ميتان ..والعالم كله قبرنا.
*** قامت تجذب ذراعه.
-قم بنا.
خرج إلى الشمس وحي ًدا .لما رأته الجارة أقبلت عليه
باشة ،فتجاهلها.. في البدء لم يطاوعها جسده.
-ماذا حدث؟ -إلى أين؟
لم يجبها ،فخمنت ما وراء الصمت .صرخت في -في حياتنا لم يكن الصباح لنا ..كنت في عملك
ظهره: وأنا في عملي ..وأيام الإجازات يسرقنا النوم من
بعضنا ..لا نلتقي إلا لي ًل كالخفافيش .الآن بعد
-ماذا قالت لك زوجتك؟
واصل تجاهلها ،وأسرع مبتع ًدا .توقفت هي عن موتنا ،يحق لنا أن ننعم بالصباح ..بالشمس.
ألان جسده ،فتبعها واق ًفا.
ملاحقته سوى بصوت عا ٍل يخترق المسافات
والزحام.. -هو كذلك ..دعينا نخرج للصباح.
جرت إلى حجرة النوم.
-لقد استحوذت عليك تلك الداعرة يا أحمق.
مضى إلى حيث الشوارع الأكثر زحا ًما ،محاولاً -دعني أولا أتأنق كعروس.
إطفاء ضوضاء عقله بين صخبهم .استراح لإحكام تبعها ،أولاها ظهره ،مدليًا نظراته من النافذة؛
الزحام لحصاره ،فأبطأ خطواته .يتصادم برفق الجارة كانت على الرصيف المقابل تنتظره .هل
مع المارين حوله .يتنفس أنفاسهم ورائحة عرقهم. يجمعهما م ًعا؟ يتأبطهما سو ًّيا ويسير لا مباليًا
ينجرف معهم في ما يشبه مسا ًرا جماعيًّا مجهول
باحتجاجاتهما المحتملة ،أو بنظرات المارين؟
المصير ،فيدرك لحظتها كم هو مريح الموت. -ليس على الموتى حرج.