Page 101 - m
P. 101
99 إبداع ومبدعون
القصة
لقد صدق قلبي ابن الكلب الذي لا يكف عن الحنين. ما تعود َن ِمرة مفترسة شائهة الملامح تصرخ:
منها يبدأ الانتعاش وإليها تعود النكبة ،لقد سبقني -أنت أناني ،فعندما طلبت منك طلاء جدران الشقة
قلبي بساعتين ونصف الساعة ،صحوت منتع ًشا في
السادسة ،والساعة الآن تشير إلى الثامنة والنصف، باللون البيج ،لم تستجب .سأذهب ولن أعود.
أسألها بصوت أنكرته لما سمعته:
ما هذا القلب العجيب؟ لماذا سكن صدري أنا
تحدي ًدا؟ -ستذهبين لأني لم أقم بطلاء الجدران باللون
البيج؟
إنه قلب يصلح لعالم فذ أو لقائد منتصر ،وليس تصرخ:
لفرد ديسك مهزوم.
-أنت لا تفلح إلا في السخرية ،سأذهب ،ويوم
نعم إنها هى ،غابت لسنوات كأنها سقطت في جب القيامة سأطلب من صاحب الأمر ،أن يقذف بي إلى
العدم ،ثم ها هى تعود ثانية ،لقد أخبرني قلبي
الجحيم إن كنت أنت من أصحاب الجنة ،لا أريد
بعودتها ،إنه قلبي الذي يعول على البشرى ويعتمد رؤية وجهك مرة ثانية.
على الإشارات المبهمة ،من حقه أن يبتهج ،بل من
حقه أن يصدق. ذهبت في منتصف أغسطس من عشر سنوات
مضت ،ومن يومها لم أسمع صوتها ولم تقع عيناي
نعم إنها هى ،هو بنطلونها الجينز ،والحذاء الأسود عليها ،وما حصدت سوى اللوعة والأسئلة الجهنمية
الأنيق ،والقميص الرجالي الفاتن الذي يخفي كنوز
التي لا جواب لها.
أنوثتها ،والطرحة الحمراء التي تغطي شعرها.
إنها هى ،ظهرها المستقيم وخطواتها الجادة الواثقة، ***
هى كانت تقول« :أنوثتي ليست على المشاع». صحوت منتع ًشا بدون أي مناسبة تدعو للانتعاش،
نعم إنها هى بقفازيها الأبيضين اللذين تحمى بهما قبل أن أغادر سريري تمتمت بكلمتها الخالدة:
«وراء الغيوم مطر كثير».
يديها من قسوة الشمس. لماذا صدقت كلمتها؟
لا أنا أتبعها ولا هى تقودني ،روابط خفية تضبط
سرعة وإيقاع خطواتي ،فتظل هى أمامي تسبقني لماذا عشت عم ًرا أعول على البشرى ،وعلى الإشارات
المبهمة الغامضة؟
بخطوات تتيح لي التمتع بالنظر إليها.
قلبي هادئ وتنفسي منتظم وكل جسدي يرشح لقد مضى أغسطس ولكن ساعات الصباح تنذر
حنينًا وشو ًقا ،لقد تمنيت لسنوات هذه اللحظة، بيوم حار كله رطوبة ولزوجة وعرق ،فلماذا أنا
لحظة أن تقع عيناي عليها ،وكنت أظن أنني لحظتها
سأجن أو سأقع فريسة غيبوبة كاملة ،ولكني الآن منتعش؟
أعرف قلبي ،اليوم سيقع أمر ما يحرك دمه الراكد.
في تمام يقظتي وصحوي وانتعاشي!
كيف انتبهت لمتابعتي لها؟ ***
لقد وقفت فجأة واستدارت لتواجهني ،سقط قلبي، خو ًفا من الحر ومن ملل العادة ،أسلك دائ ًما
لم تكن هى ،هذه بيضاء ،قاتلتي كانت خمرية ،إلى الشوارع الجانبية التي نجت من مذبحة الأشجار
التي تعرضت لها أشجار العاصمة ،كل الشوارع
متى سيعذبني هذا القلب البائس؟ ستقودني في النهاية إلى شارع أحمد العطار حيث
تقدم ْت نحوي حتى لم يعد يفصلني عنها إلا خطوة
مقر الموقع.
واحدة ابتسمت بكل وجهها وقالت :الحديث عن لم أهتم يو ًما بمعرفة أسماء تلك الشوارع أو
قرون الاستشعار الأنثوية ليس خرافة ،نعم شعرت بمعرفة معالمها ،إنها عندي شوارع تقيني قسوة
بمتابعتك لي وأنا راضية عن نظراتك المهذبة لأنك لا
تبحث عن شهوة .أنت تجتر ذكري ،فلا تجعل شيئًا الشمس وتنقذني من مخالب الملل.
في شارع ظليل ،رفعت عيني فرأيتها ،كانت تتقدمني
يفسد عليك أيامك ،والآن اذهب إلى شأنك.
قالت جملتها ،وسمعتها فذهبتُ. بخطوات.