Page 213 - m
P. 213
211 الملف الثقـافي
والمسلمات العلمية التي يتم متلاحمة الوشائج والروابط الاتساق الداخلي للاستشراق
قبولها والبناء عليها دون نقد بينه وبين المؤسسات والأفكار التي أتى بها عن
أو تمحيص .والمسألة هنا السياسية والاقتصادية الشرق (كالقول بأن الشرق
على هذا النحو إنما تذكرنا والاجتماعية التي تمنحه حياة عملية) بغض النظر عن
بـ»معامل الاستعمار» الذي القوة ،والقدرة الفائقة على أي صدق أو كذب في تصوير
حدثنا عنه مالك بن نبي، الاستمرار« ،إنه كيان له
غير أن المسألة هنا تصل وجوده النظري والعملي ،وقد الشرق الحقيقي( .نفس
إلى أبناء الغرب المستعمر أنشأه من أنشأه ،واستثمرت المرجع ،صص)49 –48
نفسه وليس فقط الشعوب فيه استثمارات مادية كبيرة ولا يقف سعيد عند المعنى
المستعمرة .ويؤكد كلامنا على مر أجيال عديدة .وقد الشامل لمفهوم «الشرق»،
ما قام به سعيد من تحليل أدى استمرار الاستثمار وإنما يرمي إلى دراسة
لبنية الخطاب الاسشتراقي إلى أن أصبح الاستشراق، القوة المحركة للاستشراق،
التي تقوم على إظهار التفوق باعتباره مذهبًا معرفيًّا عن فالخيال وحده ليس هو
الغربي من جانب ،والتخلف الشرق ،شبكة مقبولة تسمح الذي خلق صورة الشرق،
منافذها بتسريب صورة وجعله يتخذ الصورة التي
الشرقي من جانب آخر. الشرق إلى وعي الغربيين». رسمها المستشرقون ،ولكن
(نفس المرجع ،ص)50 العلاقة التي بين الغرب
منهج إدوارد سعيد في ومن الملاحظ أن النتيجة والشرق ،والتي هي علاقة
دراسة الاستشراق: الخطيرة التي توصل إليها قوة وسيطرة ،ودرجات
سعيد في هذا السياق ،إنما متفاوتة من الهيمنة المركبة.
ولا يكتفي سعيد بطرح لا تقتصر على وعي المفكرين فكما أن الاستشراق ليس
فرضياته التي سيشتغل والباحثين الغربيين ولكن خيا ًل ،فهو أي ًضا ليس مجرد
عليها في الكتاب ،لكنه يفرد تمتد إلى الثقافة العامة، مجموعة من الأكاذيب أو
مساحة في مقدمة الكتاب بحيث يصبح ما يقول به الأساطير التي يمكن دحضها
لشرح ومناقشة منهجه في الاستشراق بمثابة الحقائق فتذهب أدراج الرياح ،بل هو
البحث والكتابة -وهو منهج خطاب يتسم بقوة متماسكة
خاص ابتكره لنفسه في هذا
الكتاب -من
خلال ثلاثة
جوانب
مستمدة
من واقعه
الشخصي
على نحو ما
صرح هو
نفسه.
الجانب
الأول ،هو
التمييز
بين المعرفة