Page 123 - m
P. 123

‫نون النسوة ‪1 2 1‬‬                                             ‫وقفة عروضية مع قصائد الديوان‬

   ‫قصائده مكسورات الروي في الغالب‪ ،‬وأفخمها‬                  ‫تكون الديوان من أرب ٍع وعشرين قصيدة‪ ،‬لم تخرج‬
       ‫مضموماته في الغالب‪ ،‬ووجد شعراء الرقة‬                   ‫عن نس َقي العمود والتفعيلة‪ ،‬وقد ظهرت سيطرة‬

    ‫يميلون إلى استعمال الكسر‪ ،‬وشعراء الفخامة‬               ‫واضحة لبعض الأوزان والقوافي‪ ،‬ذات دلالة معنوية‬
‫يميلون إلى الضم‪ ..‬والشعراء المعاصرون يكثرون‬                    ‫وموضعية‪ ،‬ترتبط بعنوان الديوان‪ ،‬وتمثل جانبًا‬
  ‫من الكسر‪ ،‬لما يشعرون به فيه من لين وانكسار‬                 ‫كبي ًرا من قيمته الشعرية‪ ،‬يمكن إجمالها في الآتي‪:‬‬
‫يلائم العواطف الرقيقة المنكسرة التي يريدون أن‬
 ‫يعبروا عنها»‪ .‬وأظهر ما تكون هذه السمة في بحر‬                     ‫سيطرة الكامل والوافر‬
 ‫الكامل‪ ،‬وهو ما نراه مختل ًفا اختلا ًفا جوهر ًّيا في هذا‬
 ‫الديوان؛ وقد سبق وأشرنا إلى العنوانات الجميلة في‬         ‫كانت لهذين البحرين ‪-‬أو الوزنين‪ -‬سيطرة واضحة‪،‬‬
                                                               ‫تمثلت في هيمنتهما على أربع عشرة قصيدة‪ ،‬ما‬
   ‫هذا الديوان‪ ،‬وقد استأثر الكامل بأكثرها‪ ،‬إذ كانت‬
    ‫قصائد الكامل هي‪( :‬سفر قصير‪ ،‬نصف احتمال‬                  ‫يمثل ‪ %58‬من مجموع قصائد الديوان‪ .‬وقد زادت‬
 ‫للفرح‪ ،‬ما أجملك!‪ ،‬فلك ضرير‪ ،‬أحببت فيك صبابتي‪،‬‬               ‫نسبة الكامل‪ ،‬فبلغ مجموع قصائده تسع قصائد‪،‬‬
‫جراح القلب‪ ،‬دعوى الفراق‪ ،‬ذكريات المساء‪ ،‬سمراء)‪.‬‬             ‫ما يمثل نسبة ‪ %37.5‬من مجموع قصائد الديوان‪:‬‬
‫بينما قصائد الوافر السبع‪ ،‬التي مثلت نسبة ‪ %29‬من‬              ‫حضرت قصيدة التفعيلة في أربع منها‪ ،‬والقصيدة‬
 ‫قصائد الديوان‪ ،‬كانت اثنتان منها من شعر التفعيلة‬          ‫العمودية في خمس قصائد إحداها جاءت على مجزوء‬
  ‫(وجه القمر‪ ،‬تقول للناس)‪ ،‬بينما قصيدتان منها‬               ‫الكامل‪ ،‬ما يجعلنا نشير إلى ثلاثة أوزان داخل بحر‬
 ‫مجزوءتان (الوله‪ ،‬سميرة)‪ ،‬وثلاث منها من الوافر‬              ‫الكامل وتفعيلته‪ .‬وكان التنوع الأكبر في هذا البحر‬
 ‫المقطوف (الذكر المؤيد‪ ،‬مناجاة‪ ،‬زينب) وقد جاءت‬                ‫في قوافيه‪ ،‬إذ ظهرت في خمس القصائد العمودية‬
 ‫القافية مضمومة مرتين‪ ،‬ومكسورة مرتين‪ ،‬وساكنة‬                ‫خمس قوا ٍف مختلفة‪ ،‬هي‪( :‬العين المكسورة‪ ،‬الميم‬
     ‫مرة‪ ،‬وفي هذا التنوع جمال‪ ،‬يخرج بنا بعي ًدا عن‬
     ‫رتابة البحر الواحد والنمطية‪ .‬وقد كانت القوافي‬             ‫المضمومة‪ ،‬الفاء المضمومة‪ ،‬الحاء المضمومة‪،‬‬
 ‫هي‪( :‬النون‪ ،‬الميم‪ ،‬اللام‪ ،‬الراء)‪ ،‬وقد تكررت النون‬             ‫الراء المضمومة)‪ ،‬واللافت في حركة الروي في‬
                                                               ‫هذه القوافي‪ ،‬غلبة القوافي المضمومة على القوافي‬
              ‫مرتين‪ ،‬وفي كلتيهما جاءت مكسورة‪.‬‬                   ‫المكسورة‪ ،‬بنسبة ‪ 4‬إلى ‪ ،1‬وهو ما يخالف نهج‬
                                                          ‫الشعراء الذكور في هذا الملمح العاطفي‪ ،‬إذ يميل عادة‬
          ‫خمسة أوزان أخرى‬                                      ‫الشعراء إلى القوافي المكسورة في موضع العشق‬

       ‫وقد حضرت ثلاثة بحور أخرى ‪-‬غير الكامل‬                                 ‫والتذلل‪ ،‬مقابل الميل إلى الضم في‬
  ‫والوافر‪ -‬من البحور الصافية‬                                               ‫غيرها من مواضع الأبهة والعزة‪،‬‬
  ‫التي عليها مدار شعر التفعيلة‬                                             ‫وعن ذلك يقول عبد الله الطيب‪ ،‬في‬
                                                                          ‫كتاب المرشد إلى فهم أشعار العرب‬
        ‫‪-‬خلا ما كان من شعر‬                                                 ‫وصناعتها‪[ ،‬الكويت ‪1989‬م‪/1 ،‬‬
    ‫التفعيلة المركبة الذي برع‬                                           ‫‪« ]88‬والضمة والكسرة متقابلتان‪،‬‬
 ‫فيه أمثال‪ :‬أدونيس‪ ،‬وسعدي‬                                                ‫وهما أكثر شيء في الشعر‪ ،‬وأعنى‬
 ‫يوسف‪ ،‬وعلي جعفر العلاق‪-‬‬                                                   ‫بقولي متقابلتان أن بينهما نو ًعا‬
‫وهي‪( :‬الرمل‪ ،‬الرجز‪ ،‬المتقارب)‪،‬‬                                            ‫من ضدية‪ .‬فالضمة حركة تشعر‬
    ‫وقد جاء كل وزن منها مرة‬
 ‫واحدة‪ ،‬بينما كانت للمتدارك في‬                                                 ‫بالأبهة والفخامة‪ ،‬والكسرة‬
 ‫صورة (فعلن) حظوة أكبر من‬                                                       ‫تشعر بالرقة واللين‪ .‬ومن‬
   ‫هذه البحور الصافية الثلاثة‪،‬‬                                              ‫تأمل الشعر العربي‪ ،‬وجد أرق‬
    ‫فقد جاء مماث ًل لها مجتمعة‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128