Page 155 - m
P. 155

‫‪153‬‬      ‫تجديد الخطاب‬

‫الخميني‬  ‫أحمد زايد‬                                             ‫أبو الأعلى المودودي‬     ‫تلك هي تحقق القدوة في شخصه‪،‬‬
                                                                                          ‫إذ ُحفظت سيرته كاملة محققه‬
          ‫وحضارية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬                ‫المسلم اليوم‪ ،‬توجهه وتك ِّونه‪،‬‬     ‫بكامل تفاصيلها فنحن نعلم عنه‬
              ‫وتنموية‪ ،‬وتربوية‪ ،‬وتعليمية‪.‬‬           ‫وتغذيه بتلك المفاهيم والأدوات‬
                                                    ‫والإجراءات نفسها‪ ،‬التي تندفع‬       ‫كل شيء وف ًقا لما نقل إلينا في كتب‬
             ‫أزمات متعددة تتفاقم يو ًما بعد‬     ‫مثل سيل هادر يضخ عبر وسائلها‬          ‫وعلوم مصطلح الحديث بأدق منهج‬
         ‫يوم‪ ،‬وهذه الأزمات ما هي إلا نتاج‬
         ‫لفكر الأمة السائد‪ ،‬هذا الفكر السائد‬          ‫التقليدية وغير التقليدية‪ :‬من‬        ‫تاريخي علمي عرفه المؤرخون‪.‬‬
          ‫صحيح أنه نتاج مكونات مختلفة‪:‬‬           ‫المواعظ والخطب المنبرية‪ ،‬والقنوات‬       ‫وتتمثل قواعد المنهج السلفي في‪:‬‬
                                                                                          ‫اتباع السلف الصالح في تفسير‬
            ‫ثقافية واجتماعية وتربوية‪ ،‬لكن‬          ‫الفضائية‪ ،‬والمجلات والمنشورات‬      ‫النصوص وفهمها‪ ،‬ورفض تأويلات‬
            ‫أعمق ما يك ِّون عقل الأمة ويؤثر‬        ‫الدعوية‪ ،‬والإصدارات السمعية‪،‬‬           ‫المتكلمين من الخوارج والشيعة‬
            ‫فيه بلا منازع هو الفكر الديني‪،‬‬
           ‫والفكر الديني ليس هو الدين‪ ،‬إنه‬            ‫ومواقع الإنترنت‪ ،‬والدروس‬              ‫والمعتزلة والأشاعرة والفرق‬
         ‫مجرد فهم للدين‪ ،‬وهذا الفهم ما هو‬        ‫والمحاضرات والمؤتمرات والندوات‬          ‫الأخرى‪ ،‬والاستدلال بالأساليب‬
            ‫إلا نتاج بشري بوسائل وأدوات‬           ‫المختلفة‪ ،‬تلك الحركات الإسلامية‬       ‫والبراهين المستخرجة من الآيات‬
         ‫بشرية‪ ،‬وإذا كان نتا ًجا بشر ًّيا فهو‬   ‫التي تمثل اليوم (المرجعية الفكرية)‬      ‫القرآنية بد ًل من استحداث الطرق‬
                                                 ‫الأم والأساس لعقل الأمة الجمعي‪،‬‬
                  ‫ليس فوق النقد والنقض‪.‬‬         ‫والذي يستجيب لها بشغف‪ ،‬ويتأثر‬              ‫المبتدعة بواسطة علماء الكلام‬
               ‫والرأي عندي أن هذا الاتجاه‬                                                 ‫والفلاسفة والصوفية وغيرهم‪.‬‬
           ‫السلفي يعد تيا ًرا إسلاميًّا أصي ًل‬     ‫بها بعمق‪ ،‬ويستمع لها بخشوع‪،‬‬        ‫ونزع الاتجاه السلفي إلى أن القرون‬
          ‫لا يخلو منه أي حقبة زمانية‪ ،‬فهو‬         ‫وينظر لها بإجلال‪ ،‬لا سيما حين‬       ‫الأولى للمسلمين كانت خير القرون‬
           ‫تيار متواصل بين شيوخ السلفية‬         ‫يرافق هذا أعمال إنسانية واجتماعية‬        ‫في الدين والدنيا م ًعا‪ ،‬فقد حققوا‬
          ‫وأنصارها في كل العالم الإسلامي‬                                                   ‫الإسلام في قلوبهم فدانت لهم‬
               ‫الرحيب‪ ،‬من هنا تأتي أهمية‬            ‫مشكورة تكسب القائمين عليها‬        ‫الدنيا‪ ،‬وأقاموا أفضل حضارة لأنها‬
             ‫دراسته والتعرض لمقولاته مع‬                         ‫مصداقية وقبو ًل‪.‬‬       ‫قائمة على الحق والعدل‪ ،‬ومستوية‬
                                                                                          ‫على الأمر بالمعروف والنهي عن‬
                                                   ‫ولا خلاف في أن المسلمين اليوم‬          ‫المنكر‪ .‬فإذا نادى أتباع السلفية‬
                                                   ‫يعيشون أزمات متعددة‪ ،‬فكرية‪،‬‬         ‫بالاقتداء بهم‪ ،‬فإن هدفهم الارتفاع‬
                                                                                      ‫بالمستوى العالي الذي حققوه كرواد‬
                                                                                           ‫فهموا الإسلام دينًا وحضارة‪،‬‬
                                                                                       ‫وأنهم ‪-‬أهل السلف‪ -‬بلغوا الذروة‬
                                                                                       ‫في فهم العقيدة الإسلامية استيعا ًبا‬

                                                                                            ‫وتنفي ًذا‪ ،‬والاقتداء بهم يتطلب‬
                                                                                        ‫الارتفاع إلى مستواهم لا الرجوع‬
                                                                                        ‫إلى الزمن الذي عاصروه بوسائله‬
                                                                                      ‫وأدواته‪ ،‬فالاتباع إذن في القيم التي‬
                                                                                        ‫حققوها وعاشوا من أجلها‪ ،‬لا في‬
                                                                                      ‫«وسائل» المعيشة التي استخدموها‪.‬‬

                                                                                            ‫وتمتد تجليات الفكر السلفي‬
                                                                                           ‫المعاصر لتطبع العقل الجمعي‬

                                                                                              ‫لكبرى الحركات الإسلامية‬
                                                                                       ‫المعاصرة التي تستحوذ على العقل‬
   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160