Page 236 - m
P. 236

‫العـدد ‪57‬‬                            ‫‪234‬‬

                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬                        ‫والثورة على الاستبداد‪.‬‬

     ‫وقد ظهر هذا النوع من‬          ‫بيسكاتور بدرجة أقل‪ ،‬وهي‬          ‫التقييم النقدي‬
‫المسرحية في العديد من الدول‬       ‫التقنيات التي يحاول كثيرون‬      ‫للمسرح البريختي‬
                                  ‫من المسرحيين تطبيقها حتى‬
  ‫حول العالم‪ ،‬وقد تأثرت به‬                                             ‫وعلى الرغم من انحياز‬
   ‫إلى حد كبير ثقافة المسرح‬         ‫اليوم‪ ،‬لكن «جونتر ماهال»‬       ‫برتولد بريخت للماركسية‪،‬‬
                                    ‫يرى أن الادعاء بالحصرية‬
            ‫والأداء الحديث‪.‬‬                                                ‫وانتصاره للعمال‬
   ‫ليصل بريخت إلى صناعة‬                ‫ما هو إلا نجاح تكتيكي‬       ‫ومشكلاتهم ومظلومياتهم‬
                                       ‫في خطاب بريخت الذي‬          ‫كان عام ًل مه ًّما في توجهه‬
        ‫«المسرحية الملحمية»‪،‬‬        ‫استخدام مصطلح «المسرح‬
   ‫كان عليه أن يحطم أركان‬         ‫الأرسطي» لالتقاط جزء كبير‬             ‫نحو صناعة «المسرح‬
    ‫المسرحية الأرسطية التي‬         ‫من الدراما التي كانت أمامه‬         ‫الملحمي»‪ ،‬فإن «يورجن‬
  ‫تقوم على التصاعد الدرامي‬        ‫والحط منها‪ ،‬ويعتبر «جونتر‬         ‫هيلشايم» يرى أن «الكثير‬
    ‫للحدث‪ ،‬وإدخال المشاهد‬         ‫هال» أن هذا تشويه وتلاعب‬          ‫من العناصر الأكثر أهمية‬
    ‫في نسيج الأحداث لجذب‬              ‫أكثر منه استحداث تقنية‬       ‫في مسرح بريخت الملحمي‬
  ‫تعاطفه‪ ،‬ودفعه للتوحد مع‬            ‫مسرحية جديدة ومؤثرة!‬           ‫قد ُطورت بالفعل في عمله‬
   ‫الشخصيات‪ ،‬وعلى تحديد‬                                            ‫قبل التقائه مع الماركسية»‪.‬‬
    ‫عنصري الزمان والمكان‪،‬‬            ‫عناصر العرض‬                  ‫ومع وجاهة هذا الرأي الذي‬
‫واستغلال العناصر المساعدة‬               ‫البريختي‬                     ‫لا نشكك فيه‪ ،‬فإنه يغفل‬
                                                                    ‫أن الإنسان ينتمي للفكرة‬
       ‫لإحداث هذا الاندماج‪.‬‬              ‫يتميز مسرح بريخت‬          ‫أو الحزب أو الجماعة حين‬
     ‫خلا ًفا لذلك فإن بريخت‬              ‫بالتركيز على القضايا‬      ‫تلتقي أفكاره (المسبقة) مع‬
  ‫ه َّشم الحدث‪ ،‬وق َّسم العمل‬           ‫الاجتماعية والسياسية‬     ‫أفكارها‪ ،‬لا أن يدخل الجماعة‬
‫إلى مجموعة من المشاهد غير‬              ‫والاقتصادية والثقافية‪،‬‬    ‫أو ًل ثم يتعلم أفكارها ويؤمن‬
   ‫المترابطة‪ ،‬التي لا تتصاعد‬            ‫ويشجع الجمهور على‬          ‫بها! وعلى هذا فإن بريخت‬
  ‫دراميًّا‪ ،‬وغير المحددة مكا ًنا‬                                    ‫كان ماركسيًّا بالفكر قبل‬
‫وزما ًنا‪ ،‬لكي ُيب ِقي على تركيز‬            ‫النظر في العالم من‬      ‫أن ينضم (رسميًّا) للحزب‬
 ‫المشاهد وانفصاله عما يدور‬              ‫منظور جديد‪ .‬وتشمل‬              ‫الشيوعي الألماني‪ ،‬هذا‬
 ‫على خشبة المسرح‪ ،‬ليقيِّم ما‬          ‫بعض العناصر الرئيسية‬        ‫ليس نقي ًضا لذاك‪ ،‬ولا ينال‬
   ‫يراه بعقله الواعي‪ ،‬ويك ِّون‬        ‫لهذا النوع من المسرحية‬        ‫‪-‬بالتالي‪ -‬من مصداقيته‪.‬‬
‫(رأ ًيا) فيه يدفعه إلى الفعل‪ ،‬لا‬         ‫استخدام الكشف عن‬            ‫وجدير بالذكر أن نظرية‬
 ‫التصفيق‪ ،‬فيكون كل مشهد‬            ‫الأساليب الدرامية والحبكة‪،‬‬    ‫«المسرح الملحمي» تطلق حتى‬
‫منفص ًل عما قبله وعما بعده‪،‬‬          ‫وتقديم ميزات فريدة مثل‬          ‫اليوم على أعمال بريخت‬
    ‫ويذ ِّكر المتفرج دائ ًما بأن‬   ‫«الأغنية التعليمية» و»الفترة‬     ‫والتقنيات التي استحدثها‬
  ‫هذا مجرد عرض مسرحي‪،‬‬                   ‫التفاعلية»‪ .‬ولا تتوقف‬     ‫في الكتابة والإخراج والأداء‬
      ‫وأن من تراهم ممثلون‬         ‫المسرحية على الخيال الروائي‬
 ‫وليسوا شخصيات حقيقية‪،‬‬              ‫فحسب‪ ،‬بل تستخدم عادة‬                 ‫المسرحي‪ ،‬لدرجة أن‬
                                  ‫القدرة على تشويش الخطوط‬          ‫المتخصصين يطلقون عليه‬
           ‫والأحداث مؤلفة‪.‬‬         ‫بين الممثلين والجمهور‪ ،‬مما‬    ‫«مسرح بريخت» أو «المسرح‬
 ‫لكن أهم عنصر في «المسرح‬            ‫يجعل المشاهدين يشعرون‬           ‫البريختي»‪ ،‬وكذلك أعمال‬
‫الملحمي» هو النهاية المفتوحة‬             ‫بأنهم جزء من العمل‬

    ‫لدفع المشاهد على إكمالها‬                  ‫المسرحي نفسه‪.‬‬
    ‫بنفسه‪ ،‬فالكاتب والمخرج‬
 ‫والممثلون لا يقتلون المستغل‬
   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241