Page 50 - ثقافة قانونية العدد الخامس للنشر الإلكتروني
P. 50

‫االلمجوماطهنوةريفة الىجديدة‬                                           ‫بقلم‪:‬‬

    ‫المواطنـــــــــــة‬
‫ورقابة دستورية القوانين‬

                                        ‫المستشار الدكتور‪ /‬عبد العزيز سالمان‬

                                                                               ‫نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا‬
‫ُتعـد المواطنـة مـن الموضوعـات التـى لـم تحـظ بالاهتمـام الكافـى‪ ،‬وبالرغـم مـن أنهـا ترتبـط بمناحـى الحيـاة‬
‫المختلفــة‪ ،‬والمفتــرض أنهــا مــن الموضوعــات التــى تثيــر حميــة الباحثيــن‪ ،‬ورجــال السياســة‪ ،‬وعلمــاء الفقــه‬
‫الدسـتوري‪ ،‬وتسـتحوذ علـى تفكيرهـم لاسـيما بعـد أن شـهد مفهـوم المواطنـة تطـو ًرا كبيـ ًرا وذلـك خـال‬
‫العشـر سـنوات الفائتـة‪ ،‬وأصبـح هـذا المفهـوم يطغـى علـى العديـد مـن مجـالات البحـث فـى إطـار القانـون‬

                                                                                            ‫الدولـى العـام‪ ،‬والقانـون الدسـتورى‪.‬‬
‫ولقــد أصبحــت فكــرة المواطنــة ‪ ،‬ومضمونهــا‪ ،‬وآليــات تنفيذهــا‪ ،‬موضــع اهتمــام العديــد مــن المجتمعــات‬
‫المتمدينـة‪ ،‬فالمواطنـة حقـوق وحريـات وواجبـات فـى إطـار مبـادرة الإنسـان ومسـئوليته تجـاه نفسـه وتجـاه‬
‫الجماعــة التــى ينتمــى إليهــا‪ ،‬وهــذه الحقــوق لا تمــارس إلا فــى مجتمــع ديمقراطــى‪ ،‬يســوده العــدل‪،‬‬
‫والمسـاواة‪ ،‬وتكافـؤ الفـرص‪ ،‬وتحمـل أعبـاء التضحيـة مـن أجل ترسـيخ هـذه المبـادئ وحمايتهـا ويعتبر الشـعور‬

                 ‫بالانتمــاء للوطــن‪ ،‬وهــو المســاحة المشــتركة التــى توجــد بيــن أفــراد ينتمــون إلــى وطــن واحــد‪.‬‬

‫وغيرها من النصوص التى تحمى الحقوق والحريات‪ ،‬تعمل وقد قصد‬                               ‫والمواطنة فى ذاتها حق يجب الحفاظ عليه‪ ،‬وضمان أن يباشرها المواطن‬
                                                                                       ‫فى أوسع مضمون لها‪ ،‬ويترتب على وجود صفة المواطنة اكتساب الكثير‬
‫بها ابتداء فرض حماية سابقة لمنع وقوع الاعتداء‪ ،‬فإذا ما حدث ووقع‬                        ‫من الحقوق يلزم أي ًضا حمايتها ‪ ،‬وضمان مباشرته دون تحيف أو جور‬

‫الاعتداء على الحقوق والحريات بالمخالفة للحظر الوارد بشأنها أخذت‬                                                                         ‫أو انتقاص منها‪.‬‬
                                                                                       ‫والسؤال الذى يطرح نفسه وقد تعددت – فى الفقه – صور الحماية‪..‬‬
‫الحماية صورة أخرى وانتقلت من الجانب النظرى التقديرى إلى الجانب‬
                                                                                                                        ‫ما هى الوسيلة الناجعة والفعالة ؟‬
‫العلاجى ذى الطابع العملى ولاشك أن الحماية الدستورية‪ ،‬بل نظام‬

‫الرقابة على دستورية القوانين والتنظيم الدستورى فى جملته يصبـــــــــح‬

‫مجرد أدوات شكلية لا أثر حقيقى لها فى الواقع مالم يكن هذا كله فى‬

‫إطار ترسيخ سيادة القانون وسريان روح الديمقراطية الحقيقية والشاملة‬                        ‫الوسيلــــــــة الفعالــــــــــة لحمايــــــــة الحقـــــــــوق فــــــــــى‬
                                                                                           ‫مصــــــــــر» رقابـــــــــــة دستوريــــــــــــــة القوانـــــــــــين «‬
‫فى وعاء البيان الدستورى والسياسى و الثقافى فى الدولة‪ ،‬وهو ما أكده‬
                                                                                       ‫تعد الرقابة القضائية على دستورية القوانين أهم مبتكرات العلم‬
‫الأستاذ الدكتور « أحمد كمال أبو المجد « فى رسالته حين قال « إن رقابة‬                   ‫الدستورى لحماية الدساتير‪ ،‬ولحماية الحقوق والحريات التى تحتويها‬
                                                                                       ‫الدساتير‪ ،‬و لحماية كيان الدولة وسلطاتها التى تنتظمها أحكام الدساتير‪.‬‬
‫القضاء على دستورية القوانين ‪-‬بالغة مابلغت‪ -‬ليست إلا وسيلة وقائية‬                       ‫و الحماية الدستورية لها عنصرين متكاملين لاغنى لأحدهما عن الآخر‪:‬‬
                                                                                       ‫حماية وقائية‪ :‬تنصرف إلى أن جميع الحقوق والحريات ينص عليها فى‬
‫أو علاجية لحماية الحقوق والحريات‪ ،‬أما الوسيلة الطبيعية الأصلية‬                         ‫الدستور لإبعادها عن أن يتناولها المشرع العادى بالتنظيم الذى قد ينقص‬
                                                                                       ‫منها أو يحدد مضمو ًنا ضي ًقا لهاأو يحيط تنظيم الحق بالكثير من الشروط‬
‫لضمان هذه الحماية فإنها لا تتحقق بهذه الرقابة ولا بأية وسيلة فنية‬                      ‫والضوابط التى تحد من كيفية ممارستها‪.‬والحق أو الحرية البعيدة عن‬
                                                                                       ‫الدستور تعتبر حرية عاريــــــــــــــــة عـــــــــن الغطــــــاء أو الحماية إلى حد‬
‫تدعلريىج ًيحادمعستوأاء‪،‬صلورحوينحئ اذليحبرقيىة‬  ‫إنما تتحقق‬  ‫أخرى يقدمها العلم الدستورى‬  ‫كبير‪.‬فإذا وقع اعتداء على حق دستورى ظهر الجانب الآخر من الحماية‪.‬‬
                                               ‫والمحكومين‬  ‫واحترام القانون لدى الحكام‬  ‫الحماية العلاجية‪ :‬حين يقع الاعتداء على الحق أو على الحرية تتحرك‬
                                                                                       ‫الوسائل الفنية المخصصة لحماية الحقوق والحريات لرد هذا الاعتداء‬
‫نظام الرقابة وسيلة احتياطية أو رمزية تعالج الحالات الشاذة التى لم تفلح‬
                                                                                                    ‫وخاصة إذا وقع هذا الاعتداء من جانب قانون أو لائحة‪.‬‬
‫فى علاجها هذه الروح المتحررة الأصلية‪ ،‬ولعل هذا ما عبر عنه القاضى‬                       ‫وفى مقدمة هذه الوسائل تأتى الرقابة القضائية على دستورية القوانين‬
                                                                                       ‫التى يترتب عليها إلغاء النص الذى اعتدى على الحق أو الحرية أو على‬
‫و الفقيه الشهير « ليرندهاند « حين قال « إن روح الحرية إذا خمدت‬
                                                                                                                 ‫الأقل شل فاعليته واستبعاده من التطبيق‪.‬‬
‫فى قلوب الرجال والنساء فلن تجدى فى إحيائها دساتير ولا قوانين ولا‬                       ‫ولاشك أننا لا نقصد أن الرقابة على الدستورية تفقد كل دور لها فى‬
                                                                                       ‫حالة عدم وجود اعتداء‪ ،‬بل العكس ربما يكون فى وجودها الردع الكافى‬
‫محاكم‪ ،‬أما إذا عاشت حقيقة فى تلك القلوب‪ ،‬فإنها لن تحتاج إلى هذه‬
                                                                                                      ‫الذى يحول دون وقوع المخالفة أو الاعتداء من الأصل‪.‬‬
                                               ‫الدساتير ولا القوانين ولا المحاكم‪.‬‬      ‫و قصر الحماية الدستورية على حالة وقوع اعتداء فعلاً ‪ ،‬فيه تقويض‬
                                                                                       ‫لقيمة النصوص الدستورية التى تمنع الاعتداء على الحرية الشخصية‪،‬‬
‫خلاصة الأمر‪ :‬أن مفهوم الحماية الدستورية ينصرف إلى تلك الحماية‬                          ‫والتمييز بين المواطنيين‪ ،‬وفرض العمل جب ًرا عليهم‪ ،‬فكل هذه النصوص‪،‬‬

‫التى يكفلها التنظيم الدستورى ذاته‪ ،‬وكذلك الحماية التى يكفلها القاضى‬                                                                                              ‫يناير ‪2025‬‬

‫الدستورى حال وقوع الاعتداء على الحقوق والحريات‪ ،‬و إذا كان وقوع‬

‫الاعتداء على الحقوق والحريات أمر لايمكن تجنبه‪ ،‬فهو باق ما بقى‬

‫الصراع بين الفرد والمجتمع من ناحية‪ ،‬أو الفرد والمجتمع و السلطة من‬

‫ناحية أخـرى‪ ،‬فإن أهمية وجود الرقابة على دستورية القوانين تتأكد‬

‫باعتبارها الوسيلة الفنية التى اخترعها الإنسان لحمايه حقوقه و حرياته‬

‫حال الاعتداء عليها‪.‬وهى رقابة تفترض وجود دستور‪ ،‬و الإيمان بمبدأ‬

‫المشروعية وسيادة القانون ووجود القضاء المستقل‪.‬‬

‫كيف تعاملت المحكمة الدستورية العليا مع نصوص الدستور المتعلقة‬

                                                                                                                                                                             ‫‪50‬‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55