Page 78 - merit 50
P. 78

‫العـدد ‪50‬‬                            ‫‪76‬‬

                                                                ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬

‫رجاء عمار‬

‫(تونس)‬

‫بحر يبحث عن بائه‬

   ‫اِتجه البحر نحو بيت الصياد‪ ،‬ودلف عبر النافذة‬     ‫قلم البحر أمواجه ونتف أسماكه وأزال طحالبه‪ ،‬ثم‬
                  ‫المفتوحة‪ ،‬واختبأ تحت السرير‪.‬‬                     ‫عدا نحو المركب وعراه من صياده‪.‬‬

‫ذبح الصياد المركب‪ ،‬بعد أن سمع النوارس الجائعة‬            ‫حضن البحر المركب الذي انتظر الغرق نشوة‪،‬‬
  ‫تلعنه‪ ،‬وتلقي اللوم على الأخشاب الفاجرة التي ما‬     ‫لكن البحر عجز عن فض حلمه‪ ،‬وبقي م ُّده مرتخيًا‬

‫حافظت على صدأ مساميرها‪ ،‬فهجرها البحر ورحل‬              ‫كحزمة بقدونس وحيدة ممددة على عربة الجزر‬
‫من أعماقه‪ ،‬وفارق أصدقاء كان يسبغ عليهم ثماره‪.‬‬        ‫الذي مل‪ ،‬فتوقف عن إنعاشها‪ ،‬وأقسم على مقاطعة‬
                                                      ‫الانتصاب‪ ،‬والبحث عن عمل إداري يمنحه كرسيًّا‬
     ‫قطع الصياد جثة المركب‪ ،‬وصنع من أوصالها‬
       ‫طاول ًة وكرسيًّا لم يكتمل نمو ساقه الرابعة‪،‬‬                                         ‫وطاولة‪.‬‬
                                                         ‫ولى البحر هار ًبا‪ ،‬وسقط على ركبتي زبده عند‬
   ‫داهم رجال الشرطة المكان‪ ،‬وهجموا على الصياد‬             ‫الشاطئ‪ ،‬الذي كان مشغو ًل بالبحث عن علكة‬
      ‫وكبلوا يديه وقادوه إلى السجن بتهمة سرقة‬
                                                                              ‫سقطت من فم سحابة‪.‬‬
  ‫علكة السحابة‪ ،‬واستعمالها كغشاء يحتاجه العقل‬       ‫وجد البحر العلكة‪ ،‬تردد قلي ًل‪ ..‬أيعيدها إلى السحابة‬
 ‫لاسترجاع شبكته التي مزقتها زعانف التفكير‪ ،‬ثم‬
  ‫حوكم وعوقب رأسه بالقطع وتم‬                                        ‫التي ذاع صيتها في السماء بعد أن‬
                                                                        ‫شفت القمر من عقمه وغدا له‬
               ‫العفو عن الجسد‪.‬‬                                           ‫في كل شهر هلا ًل‪ ،‬وخلصت‬
      ‫عاد جسد الصياد مقطوع‬                                                      ‫الشمس من برودها‪،‬‬
‫الرأس إلى المنزل ليتم ما بدأه‪،‬‬                                                     ‫فأصبحت تتمايل‬
‫وتمكن الكرسي من الوقوف‬                                                               ‫شب ًقا وتضحي‬
 ‫بعد أن غدا الجسد رجله‬                                                              ‫رغبة كاوية ومع‬
                                                                                          ‫كل غروب‬
                ‫الرابعة‪.‬‬                                                                     ‫تمسي‬
  ‫خرج البحر من مخبئه‪،‬‬                                                                    ‫عرو ًسا؟ أم‬
 ‫وكاد يطلب من المكنسة‬                                                                      ‫يعود إلى‬
                                                                                     ‫المركب‪ ،‬ويهديه‬
    ‫الواقفة أن تقرص‬                                                                  ‫العلكة فينشغل‬
   ‫لحم ُجفائه ليتيقن‬                                                                    ‫بمضغها ولا‬
   ‫أن أمنيته تحققت‪،‬‬                                                                  ‫يفضحه فتلوك‬
                                                                                     ‫الجبال ُسمعته؟‬
     ‫لكنه‪ ،‬هدأ وتمدد‬                                                                            ‫أم‪..‬‬
 ‫على الفراش‪ ،‬سيموت‬                                                                  ‫اِختطف الشاطئ‬
   ‫ليصحو غ ًدا باك ًرا‪،‬‬                                                               ‫العلكة من بين‬
   ‫ويذهب إلى السوق‬                                                              ‫أصابع البحر وطرده‬
                                                                             ‫آم ًرا إياه بالانحسار عن‬
        ‫لبيع الطاولة‬                                                                          ‫رمله‪.‬‬
  ‫والكرسي‪ ،‬ويشتري‬

   ‫تذكرة ليسافر نحو‬
 ‫السماء‪ ..‬سيطرق قلب‬

              ‫السحابة‪.‬‬
   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83