Page 169 - merit 50
P. 169

‫‪167‬‬        ‫الملف الثقـافي‬

‫أولريش بك‬  ‫أنطونيو جرامشي‬     ‫آدم سميث‬                          ‫بصورة كبيرة في حركتها‬
                                                              ‫عن المؤسسات الأخرى‪ ،‬مما‬
‫‪ ،)1689‬ثم توالى على دراسته‬       ‫توفير المعينات المؤدية إلى‬   ‫يعطي لها ذاتية خاصة بها‪،‬‬
    ‫ونقده واستقصاء أبعاده‬         ‫تكوين مجتمع حضاري‪،‬‬
   ‫المختلفة عدد من الفلاسفة‬        ‫تؤكد على ذلك الشواهد‬          ‫ثم معيار التماسك الذي‬
                                  ‫النصية المتناثرة في كتب‬         ‫يقصد به مقدار الوحدة‬
  ‫وعلماء الاجتماع والساسة‬     ‫التاريخ والسجلات والوثائق‬       ‫الداخلية في المؤسسة نفسها‬
‫الغربيين مثل هوبز‪ ،‬وروسو‬      ‫الخاصة بالأوقاف والمخلفات‬         ‫وتماسك أعضائها‪ ،‬أي أنه‬
                              ‫الآثارية التي توضحها نماذج‬       ‫يعبر عن الاستقرار الهيكلي‬
     ‫وهيجل وغيرهم‪ ،‬فكانت‬         ‫الأبنية التي ُشيِّدت لتكون‬  ‫للمؤسسة وتماسكها الداخلي‪،‬‬
       ‫ولادته في ظل التحول‬       ‫محو ًرا لأعمال الوقف من‬        ‫على هذا النحو تكون فكرة‬
                                ‫المساجد والمدارس ومكاتب‬        ‫التميز البنائي والتخصص‬
 ‫الجذري الذي اجتاح أوروبا‬          ‫الأيتام والأسبلة والآبار‬     ‫الوظيفي التي يركز عليها‬
  ‫والانتقال من عصر الظلام‬                                        ‫مفكرو التنمية السياسية‬
                                              ‫والعيون(‪.)1‬‬        ‫باعتبارها صياغة حديثة‬
    ‫إلى عصر الدولة الحديثة‬    ‫أما في العصر الحديث‪ :‬فلقد‬       ‫لمفهوم الفصل بين السلطات‬
          ‫والنظام الجديد(‪.)2‬‬   ‫عاد ظهور مصطلح منظمات‬             ‫وهو في ذاته يمثل جوهر‬

     ‫ومع نهاية القرن الثامن‬      ‫المجتمع المدني في القرنين‬               ‫عملية التحديث‪.‬‬
‫عشر تأكد في الفكر السياسي‬      ‫السابع عشر والثامن عشر‪،‬‬
                              ‫وربما يكون جون لوك‪ ،‬أول‬         ‫ما المقصود بالمجتمع‬
     ‫الغربي ضرورة تقليص‬                                             ‫المدني؟‬
‫هيمنة الدولة لصالح المجتمع‬        ‫من استخدمه بعد الثورة‬
                                 ‫الإنكليزية ‪ 1688‬في نصه‬         ‫في الجاهلية قبل الإسلام‬
   ‫المدني الذي يجب أن يدير‬      ‫المشهور (رسالة التسامح‪،‬‬            ‫كانت القبيلة والعشيرة‬
 ‫بنفسه أموره الذاتية وأن لا‬
                                                                ‫وسوق عكاظ ودار الندوة‬
    ‫يترك للحكومة إلا القليل‪،‬‬                                   ‫ووظائف السقاية والسدنة‬
  ‫ليشهد القرن التاسع عشر‬
                                                                 ‫لبيت الله في مكة المكرمة‬
    ‫حدوث التحول الثاني في‬                                          ‫هي نماذج من المجتمع‬

                                                             ‫المدني‪ ،‬والجميع والمؤسسات‬
                                                               ‫والهيئات الحديثة للمجتمع‬
                                                               ‫المدني هي امتداد لتنظيمات‬
                                                                         ‫القبيلة والقرية‪.‬‬
                                                              ‫وبعد ظهور الإسلام ظهرت‬
                                                                 ‫تطبيقات للمجتمع المدني؛‬
                                                                 ‫مثل الوقف‪ .‬ويعد الوقف‬
                                                                 ‫خاصية ملازمة للمجتمع‬
                                                                   ‫العربي الإسلامي عبر‬

                                                             ‫تاريخه الطويل‪ ،‬وكان بمثابة‬
                                                                ‫الطاقة التي دفعت به نحو‬
                                                                 ‫النماء والتطور من خلال‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174