Page 25 - merit 50
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ستج ُد رسال ًة أنيق ًة
في صندوق البريد
من شخ ٍص لا تعرفه
اعتا َد ك َّل خمي ٍس
أن يبع َث واحد ًة لحبيبته
التي اختفت قبل سنوا ٍت
لكنَّه
ظ َّل يتاب ُع رسائ َله في
مواعيدها
على عناوي َن عشوائي ٍة
على أم ِل أ ْن تصلها
واحد ٌة
قب َل أ ْن يمو ْت(.)3
هنا يقدم الراوي العليم في
سرد محايث -أي أن ما
نزار قباني بول فاليري أحمد شوقي يخبر به مخاطبه يتزامن
مع تعرف المخاطب عليه-
بين عناصره .فيتوجه السرد نحو هذا القارئ فيقدم له /لنا جز ًءا من لوحة مبعثرة أو يسلط
المفترض ،وتتم إنارة جانب آخر من المسرح ،أو الضوء (التبئير الروائي) على ركن من المسرح ،نجد
تجميع جزء ثان من اللوحة المتشظية -عم ًدا- فيه صندوق بريد ،رسائل مجهولة لمحبوبة من
أمام القارئ ،وإن كانت متكاملة في وعي الشاعر، حبيب وف ٍّي استمر لسنوات في إرسالها ،وكل أمله
فيفصح الراوي هنا عن المبرر الذي دفع هذا أن تصلها إحداها قبل أن يموت ،وهو يرسلها على
العاشق الطائش إلى توجيه رسائله:
الرج ُل العاش ُق غير هدى ،لذا فهي طائشة ،لم تصب المحبوبة ،لكنها
الذي ظ َّل لسنوا ٍت
يبع ُث برسائ َل طائش ٍة أحدثت (دوشات) لدى شخوص لن يتم الكشف
ك َّل أسبو ٍع، عنهم دفع ًة واحد ًة ،وإنما يقدمهم النص في حبكة
لم يكن انطوائيًّا
أو كار ًها للحياة بوليسية ،ولكنها لا تفقدنا الرغبة في تتمتها ،بل وفي
حتَّى لا ُيج ِّر َب عواط َفه
على امرأ ٍة أخرى إعادة قراءة النص مرة ومر ًة ،ربما كان هذا لما للغة
لكنَّه
كا َن يطل ُب السما َح من حبيبت ِه الشعرية من خصوصية وجاذبية في ذاتها.
بأن يح َّب بع َدها
ويع ُدها بأ ْن تكو َن حبيب ُته الجديد ُة أما وقد استفاق المخاطب لما يود الراوي تبيينه له،
نسخ ًة منها
«طبق الأصل». وأصبح معه على الخط ذاته من المعرفة والاتصال،
وفيها يظهر جزء مهم من فحوى الرسالة ،وهي فلا دا ٍع إذن لتوجيه العناية له وحده ،وليتوجه
السرد في المقطع الثاني من خلال آلية الارتداد
Flashbackإلى قارئ ضمني ،من المفترض أن
يكون هو أي ًضا على درجة من التهيؤ لتلقي عالم
غريب بأدوات غريبة عن بناء القصيدة التقليدية؛
ليزيل ما يمكن أن يشكلاه من حواجز بينه وبين
التماهي مع تجليات الذات الشاعرة كمخاطب
سردي في المقطع الأول.
من هنا يتحقق لهذا النص نو ٌع من الوحدة العميقة