Page 105 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 105
103 إبداع ومبدعون
قصــة
الانسجام معه ،ومجاراة إيقاعه ،فما كان له إلا أن اِنتفض السبعيني العجوز من مكانه ،موج ًها َسبابته
ينذرني بنبرة غاضبة: المرتجفة نحو وجهي:
« -في المرة القادمة ،ستغادر قاعة الاجتماع يا ابني، « -أنت ..أيها الصحفي المتدرب ،هل من أخبار
بل ستغادر مقر هذه الجريدة العتيدة إلى الأبد، جديدة؟ أ لن ننشر شيئًا اليوم؟
سيكون ذلك أحسن لك ،ولنا». أجبته:
نظرت إلى المُ ْخرج ،ونظر إل َّي ،وكتمنا ضحكات
قد تزيد الوضع توت ًرا .أما القارئة الأربعينية .Pas de nouvelles, bonnes nouvelles -
ثم ترجمت عبارتي إلى العربية ،محاو ًل أن ألطف
الهادئة ،فلا يبدو أنها تفهم لهجتنا المغربية ،تكتفي الجو ،بعدما أيقنت أنه يعاني الزهايمر :كما يقول
بابتسامتها أو هز رأسها ..وحتى عنوان كتابها الفرنسيون« :لا أخبار ..أخبار جيدة» ،لتنثال عليَّ
عباراته المستنكرة ،وقليل من السب المهموس من
بالإسبانية ،كان حر ًّيا بها أن تقرأ في ظروفنا تلك
«مائة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز. ِقبل السيد الرئيس.
ُكتب عليَّ ،كما ُكتب على المخرج وجينفر لوبير
قال الشاب السينمائي ،الذي رغم تشخيصه الصامتة من قبلي ،أن أو َبخ ،لكني أستحق؛ فأنا
الرديء ،أظهر موهبة فذة في الكتابة؛ كتاب ِة مجرد صحفي متدرب مندفع .الصحفي الحقيقي،
من منظور ذلك الكهل ،هو الذي ُينتج الخبر ِم ْن لا
السيناريو:
“ -لم تعلن منظمة الصحة العالمية عن شيء؛ شيء.
لأن فيروس كورونا انقرض إلى الأبد ،هو وكل “ -نعم سيدي ،حتى عدم وقوع أي حادث
متحوراته .كما أن الحروب انتهت منذ زمن ،وكل أو مست ِجد يع ُّد خب ًرا» ..صرحت بثقة ،محاو ًل
النزاعات بين بلدان العالم تبخرت ،القديم منها
والجديد ،الكبير والصغيرُ .فتحت الحدود ،وألغيت
التأشيرات .أما الأفراد فيعيشون في رخاء وتآ ٍخ.
حتى السجون أُغلقت في العالم بأسره ..وكل ذلك
نشرناه في أعداد الجريدة السابقة َسيدي الرئيس!».
استغرب الرجل السبعيني ،الذي أمضى أربعة عقود
من عمره في رصد الأخبار وتحريرها وإذاعتها:
-لا قرارات اليوم ولا بلاغات! لا مباريات ولا
منافسات رياضية! لا تصريحات ولا إصدارات
ولا مسرحيات ولا أفلام! لا جديد في حالة الطقس!
ما يقع غير معقول! هل أنتم فع ًل صحفيون؟
ولنفترض أن البلاد راكدة ،بل خارج الزمان
والمكان ،هل دول العالم الأخرى نائمة؟
متضامنًا ،قاطعنا الشرطي نفسه ،وكان شا ًّبا أني ًقا،
تنِم طريقة كلامه عن مستوى ثقافي محت َرم:
-بلدان أوروبا ،وبلدان أمريكا اللاتينية ..أغلقت
حدودها هي الأخرى ذها ًبا وإيا ًبا؛ وبالتالي لا
ُي ْمكنكم ولوج التراب المغربي ،كما أنه لا يمكنكم
الرجوع إلى حيث أتي ُتم ،بل يلزم انتظار التعليمات».
وجه حينها رئيس التحرير ع َّكا ًزا ،كان بيده ،نحوي،
وقال آ ِم ًرا:
-أن َت ،د ِّون بسرعة ..إنه خبر حصري.