Page 112 - merit 38 feb 2022
P. 112
العـدد 38 110
فبراير ٢٠٢2 د.محمد سليم شوشة
فاصلة بين نهرين..
دستوبيا الحرب وتهشم البشر
نورس الكاتب المسلم الذي كان ينتظره مستقبل يمثل خطاب رواية «فاصلة بين نهرين» للروائية
كبير في عالم الأدب ،الذي يمرض هو الآخر نفسيًّا
السورية غفران طحان خطا ًبا سرد ًّيا ثر ًّيا على
بمرض مختلف ،ولكنه على المستوى الأكثر عم ًقا المستويين الجمالي والدلالي ،فهي رواية حافلة
نجده قريبًا من حالة سوسنة ،فيكون المرضان بالرمز وتبدو مشحونة برسالة كثيفة وذات ثقل
متعلقين أو مرتبطين رمز ًّيا بحالة من إنكار الواقع إنساني ،ويبدو أن وراء هذا الخطاب هم إنساني
أو الفترة الراهنة والرغبة في الانسحاب من الحياة. ضاغط على ذهن منتج الخطاب ومنشئه .وتمثل
يبدو نورس وكأنه لا يشعر من العالم بشيء غير نموذ ًجا لدستوبيا الحرب ومقاربة أثرها ،وتهشم
رائحته السيئة الدالة على العنف والقتل والغدر، الإنسان بها وتفتته ،مقاربة سردية غنية ومشوقة.
ومن الطريف أن أثر الحرب في كثير من الأحيان لا في هذه الرواية التي تقارب نموذجين إنسانيين
يأتي بصورة مباشرة أو بشكل صاخب وإلحاح، -هما شخصيتا سوسنة ونورس -نجد أبعا ًدا
بل يأتي عبر عملية من الترميز والإيحاء والدلالة رمزية مهمة ،في تشكيل ورصد أثر الحرب على
غير المباشرة ،وهذا الأمر يمنح الخطاب السردي الإنسان السوري مهما اختلف النوع أو الدين،
قيمة مضاعفة لما يسهم به في مد المتلقي بمحفزات ولهذا فإن الشخصيتين بتنوعهما على مستوى
التأويل والشراكة في إنتاج الدلالة ،وهي متعة عقلية الدين والنوع يجعل الأثر شام ًل ،ويجعلهما أقرب
لأن يكونا معبرين على النسيج الاجتماعي بشكل
وذهنية قائمة بذاتها. كامل ،فلم يسلم أو يفلت من هذه الآثار المدمرة
نورس الرافض لروائح العالم ،واللاجئ دائ ًما إلى أحد .سوسنة الفتاة المسيحية التي تعاني مر ًضا
المواد العطرية المصنعة ليغطي على زخم الروائح نفسيًّا هي نتاج الحرب ،حالة من الإنكار والانفصام
والنسيان والهرب من الواقع؛ توازي ما لدى
السيئة والعفن الذي يسيطر على العالم ،هو
بالأساس شخصية مريضة بإنكار الواقع ،فهذا