Page 123 - merit 38 feb 2022
P. 123

‫نون النسوة ‪1 2 1‬‬

                                                                          ‫أولاده لم تكن تفارقني‪ ،‬ف ُرحت‬
                                                                           ‫أكتبها في آخر ورقة من دفتر‬

                                                                          ‫اللغة العربية‪ ،‬وأم ِّزقها بعد أن‬
                                                                          ‫أقرأها لنفسي‪ ،‬أثني عليَّ‪ ،‬ث َّم‬
                                                                          ‫أرمي بها في المدفأة‪ .‬لاحظت‬
                                                                          ‫معلِّمة اللغة العربية أ َّن حجم‬
                                                                          ‫دفتري يصغر‪ ،‬وأنني أتل َّهى‬
                                                                          ‫خلال الحصة بكتابة أشياء‬

                                                                          ‫أخرى غير متَّصلة بالدرس‪،‬‬
                                                                          ‫فأ َّنبتني أمام طالبات الص ِّف‪ ،‬ولم‬

                                                                          ‫تعد تهت ُّم بما أكتبه من مواضيع‪.‬‬
                                                                          ‫تركت الكتابة بعد هذه الحادثة‪،‬‬

                                                                          ‫وعدت للاهتمام بدروسي‪،‬‬
                                                                          ‫وبدأت بكتابة المواضيع المتعلِّقة‬

                                                                          ‫بالشعر العربي القديم‪ ،‬وقد‬

‫فيكتور هيجو‬  ‫سعد الدين كليب‬                                  ‫خالد الجبور‬      ‫سحرني عمرو بن كلثوم‪،‬‬
                                                                          ‫والشنفرى‪ ،‬رحت أح ِّدث ج َّدتي‬
                                                              ‫عنهما‪ ،‬وأحكي قصص سيَّد تغلب الذي قتل مل ًكا لأ َّنه‬
‫خف ُت أكثر‪ ،‬وقلت لها‪ :‬لا أعرف‪ .‬ولكنني في الليل‪ ،‬أعد ُت‬          ‫أساء لأ ِّم ِه‪ ،‬وسيرة الصعلوك الذي تم َّرد على قومه‪،‬‬
 ‫قراءة القصة‪ ،‬وتذ َّكرت كيف كتب ُتها‪ ،‬وكيف أ َّن البطلة‬
                         ‫كانت في خيالي منذ زمن‪.‬‬              ‫وكلاهما ش َّكلا ما َّد ًة لخيالي أحكي ك َّل يوم عنهما ق َّصة‬
  ‫ك َّرر ُت التجربة لم َّرات‪ ،‬وتج َّرأت بالإفصاح عن اسمي‬                                              ‫جديدة‪.‬‬
 ‫أمام الصديقات والأصدقاء‪ ،‬وأمام ج َّدتي أو ًل‪ ،‬ج ّدتي‬
  ‫التي ص َّفقت لي‪ ،‬وقالت‪« :‬قلت ساب ًقا بأ َّنك ستكونين‬           ‫عدت إلى الكتابة مع دخولي الجامعة‪ ،‬ورحت أكتب‬
                     ‫خليف ًة لي‪ ،‬بل ستتفوقين عليَّ»‪.‬‬              ‫الشعر بداية‪ ،‬ولكنني كنت أكتب الن َّص على ورقة‬
‫ولكنني ورغم ازدياد ثقتي بنفسي‪ ،‬و َت َم ُّكني من أدوات‬        ‫بيضاء‪ ،‬أقول‪« :‬إ ْن أعجبني أنقله إلى الدفتر المل َّون الذي‬
  ‫الكتابة‪ ،‬لم أتج َّرأ على نشر قصة واحدة في أ ِّي مكان‪،‬‬      ‫لم أكتب فيه شيئًا بعد ق َّصة القزم»‪ ،‬ولكنني لم أنقل أ َّي‬
  ‫بل إنني رفضت المشاركة في أمسيات الجامعة‪ ،‬كنت‬                ‫قصيدة إليه‪ ،‬كلُّها كانت بالنسبة لي ثرثرة لا قيمة لها‪.‬‬
  ‫أبتعد عن ك ِّل من يؤ ِّكد أنني كاتبة‪ ،‬أؤ ِّكد لصديقاتي‪،‬‬    ‫إلى أن تج َّرأت يو ًما‪ ،‬وفتحت الدفتر المل َّون‪ ،‬وكتب ق َّصة‬
                                  ‫أكتب لك َّن فقط‪.‬‬               ‫بدفقة واحدة‪ ،‬وكأنني كنت أسكبها سكبًا‪ ،‬لم أرفع‬
    ‫حتى منحت الق َّصة الأولى التي رضيت عنها تما ًما‬            ‫رأسي لنصف ساعة‪ ،‬ولم أُ ِر ْح يدي‪ .‬خمس صفحات‬
   ‫جواز عبور إلى أحد أساتذتي في الجامعة‪ ،‬أثنى عليَّ‪،‬‬              ‫ممتلئات بحبر أزرق يأخذ شكل كلمات على المتن‪،‬‬
  ‫وبدأ ُت أثق بنفسي أكثر‪ ،‬وأثابر على القراءة والكتابة‬          ‫ويرشح ببقع كبيرة على الهوامش‪ .‬أغلقت الدفتر بعد‬
  ‫بشك ٍل غزير‪ ،‬تح َّول ِت الكتابة إلى هاج ٍس يسرقني من‬            ‫أن فرغت‪ ،‬وخبَّأته بعي ًدا عني‪ ،‬ونمت من دون أن‬
                                                                ‫تحضر أ ُّي شخصية من الشخصيات التي أب ِّدل لها‬

                                                                                   ‫مصائرها ك َّل يوم إلى خيالي‪.‬‬
   ‫دراستي‪ ،‬من أهلي‪ ،‬من أصدقائي‪ ،‬رحت أتعامل مع‬                 ‫في الصباح فتحت الدفتر‪ ،‬وقرأت الق َّصة‪ ،‬أُ ِصب ُت‬
‫الناس من حولي كشخصيات في قصصي‪ ،‬وأرسم له َّن‬                  ‫بصدمة‪ ،‬وخشيت أنني لست الكاتبة‪ ،‬قرأت الق َّصة‬

  ‫المصائر المتع ِّددة‪ ،‬كنت أنهمك بمراقبة الما َّرة والباعة‪،‬‬    ‫لج َّدتي‪ ،‬فقالت‪ :‬من أ ِّي جريدة تقرئين؟! شعر ُت‬
‫والأطفال‪ ،‬وأكتب بغزارة‪ ،‬وكأنني أع ِّوض ما فاتني من‬                        ‫بالخوف‪ ،‬تراني نقل ُت الق َّصة من مكان ما! قرأ ُت‬
             ‫وقت‪ ،‬أقول‪ :‬تأ َّخرت‪ ..‬تأ َّخرت كثي ًرا‪.‬‬         ‫الق َّصة لصديقة لي‪ ،‬فقالت‪ :‬ق َّصة جميلة‪ ،‬من الكاتبة؟‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128