Page 125 - merit 38 feb 2022
P. 125
نون النسوة 1 2 3
إبتسام تريسي عبد العزيز غوردو نطلق عليها اسم «الموت الأبيض» ،الموت الذي لا تتد َّخل
فيه الحرب.
رقيب على ك ِّل جملة زائدة ،فحذفت الكثير ،وجاءت
الرواية قصيرة في 160صفحة. خلال فترة الحجر الص ِّحي ،دخل ُت عالم الكتابة
الروائيَّة ،وكانت تجربتي الأولى المكتملة رواية «فاصلة
لم أترك عا َل الق ِّص بالتوازي ،بل إ َّن الشخصيات بين نهرين» التي صدرت عن دار موزاييك للدراسات
القصصية كانت تحتفل في رأسي ،وتثير الفوضى حتى
أكتبها ،فأصدر ُت في العام نفسه مجموعتي القصصية والنشر في تركيا عام .2021
الرابعة «ضو ٌء في الشرفة» عن دار نرد للنشر والتوزيع كنت قد وعد ُت نفسي بالتزام الكتابة القصصيَّة ،وكن ُت
في ألمانيا. أشعر بالغبن حين يسألني الأصدقاء بعد ك ِّل إصدار
ما زل ُت أحتفظ بدفتري المل َّون في مكتبي ،الدفتر الذي قصصي جديد« :متى ستكتبين رواية؟» وكأ َّن ك َّل ما
كتبته لا شيء! وكأ َّن الرواية هي النوع الأدب ُّي الوحيد
ما زالت ِم َزق الق َّصة الأولى تظهر فيه ،ق َّصة القزم
الذي ما زال يل ُّح عليَّ لكي أكت َبه ق َّص ًة للأطفال ،وأعده المقروء في هذه البلاد.
بأن أفعل يو ًما .تمتلئ صفحات الدفتر بالقصص التي كنت أؤكد بأ َّن من يكتب الق َّصة سيكتب ال ِّرواية بك ِّل
لم تح َظ بكتا ٍب آخر لتولد فيه ،حيث تنام مطمئنَّة هناك، سهولة ،فالق َّصة هي الأصل ،وكنت بيني وبين نفسي
أحاولِ ،تس َع عشرة تجربة للكتابة ال ِّروائية ،وكلُّها لم
أعود إليها بين حين وآخر ،وأخبرها بأنني القارئة تنجح لسبب ما ،في معظمها كان السبب عدم اقتناعي
المخلصة لها. بالفكرة ،وفي بعضها كان السبب أخطاء تقنية فادحة،
فبعد أن تع َّود ُت الكتابة على الحاسب ،لم أعد أكتب على
مدين ٌة بال ُّشكر لج َّدتي ولك ِّل قصصها التي كانت أ َّول
درجة أصعد عليها لأصل ،مدين ٌة لل َقزم الذي رافق الورق ،بل إنني فقدت تلك المهارة.
خلال فترة الحجر الص ِّحي ،والخوف العالمي من ذلك
حكاياتي ،مدين ٌة لحقيبة الكتب الممتلئة ،لك ِّل كتاب قرأ ُته،
وك ِّل كاتب تعلَّم ُت منه ،مدين ٌة للكتابة التي أنقذتني وما الموت القادم ،جعلنا نص ِّدق الخوف ،ونلتزم البيت،
تجربة جديدة بالنسبة لي ،ق َّررت استغلالها في الكتابة،
زالت ،لل ّشخصيات التي تسرقني مني ،وتعيدني إل َّي وأمام الحاسب ظهرت شخصيَّة نورس ،تلك الشخصيَّة
(غفران) جديدة
التي كانت تزورني منذ سنوات ،فأتح َّدث إليها،
وأحاورها ،ث َّم أعيد د ْفنها في عمق الذاكرة ،هذه الم َّرة
كان نورس أكثر ق َّوة ،وأعلن عن نفسه بصو ٍت مرتفع،
وق َّرر أن يظهر في قالب جديد ،وتجربة سرد َّية جديدة،
وكانت الرواية من اختياره.
للمرة الأولى منذ سنوات طويلة ألزم ُت نفسي بالكتابة
اليومية ،ح َّددت لنفسي موع ًدا بعد صلاة الفجر،
ورحت أص ِّدق ك َّل ما يخبرني به نورس وصديقته
سوسنة ،رحت أعمل معهما ،بل لديهما ،أخبر العالم
بق َّصتهما ،وهما يعيثان خرا ًبا في عقلي ،ك ُّل شيء في
عالمي َت َمح َو َر حولهما ،وخلال أربعة أشهر كانا يحت ّلن
تفكيري بشك ٍل كامل ،حتى انتهيت من كتابة الرواية،
واستراح ك ٌّل منهما على طريقته ،أو ربما على طريقتي.
قرأ ُت ال ِّرواية لم َّرات ،وقرأها الأساتذة والأصدقاء ،وقد
التزم ُت بالنصائح والملاحظات ،قبل أن أدفع بها راضية
عن تجربتي الأولى في عالم الرواية ،تجربة حاول ُت فيها
تج ُّنب الاستطراد والحشو ،تجربة كنت معها مق َّص