Page 133 - merit 38 feb 2022
P. 133

‫‪131‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

     ‫واقعنا؛ بدون الدرس العلمي‬        ‫الإفراط وذاك التفريط‪ .‬ويحذره‬        ‫لمدارسنا الدينية التقليدية في القرن‬
  ‫النقدي لأصولها ذاتها‪ ،‬فستظل‬        ‫من الباطنية الإسماعيلية‪ ،‬ليخرج‬           ‫العشرين؛ وتحولت من مجرد‬
   ‫حركتنا حركة في المحل‪ .‬فكيف‬                                                  ‫جامع‪ ،‬أو حوزة تقليدية‪ ،‬لأن‬
                                       ‫الطالب بعد المحاضرات ليتن ّزه‬
    ‫لنا أن نجدد في فهم نصوص‬           ‫في حديقة أغاخان بجوار الأزهر‬        ‫تصبح جامع وجامعة ومرجعيات‬
 ‫المصحف‪ ،‬دون التعرض لطبقات‬                                                    ‫دينية‪ .‬بإنشاء كليات «لأصول‬
 ‫التصورات والمعتقدات المنسوجة‬             ‫التي بنتها مؤسسة أغاخان‬            ‫الدين» أو «للشريعة والقانون»‬
                                      ‫الشيعية الإسماعيلية المعاصرة‪.‬‬             ‫أو للغة العربية‪ .‬ظلت البنية‬
   ‫حول القرآن عبر العصور‪ ،‬من‬          ‫هذا التجاور تجده في البلد الذي‬         ‫التقليدية القديمة كما هي‪ ،‬وتم‬
     ‫ق ِدمه أو حدوثه‪ ،‬ومن علاقة‬
     ‫الله بالعالم‪ ،‬وطبيعة الوحي؟‬          ‫مذهبه جعفري‪ ،‬و ُينص على‬          ‫طلاء سطحها بزركشات ونقوش‬
                                       ‫المذهب الفقهي ذاته في دستور‬            ‫حديثة‪ .‬فحين تم إنشاء كليات‬
  ‫ومن علاقة اللغة بتصوراتنا عن‬           ‫البلاد‪ .‬وفي البلد الذي مذهبه‬
  ‫أنفسنا وعن الوجود وعن نشأة‬            ‫إباضي‪ .‬وإن كانت الحاجة في‬          ‫عملية تطبيقية بها‪ ،‬لدراسة الطب‬
  ‫وأصل اللغة‪ ،‬وكيف تعمل‪ ،‬وهل‬        ‫مجال القوانين جعلت الخروج عن‬            ‫والهندسة والزراعة‪ ..‬إلخ‪ .‬حيث‬
   ‫هي مواضعة من البشر وكائن‬         ‫أسر مذهب فقهي واحد‪ ،‬وفرضت‬             ‫تجاورت ثلاث أبنية ُتكبل كل منها‬
  ‫حي يعكس تصورات الجماعات‬                                                 ‫الأخرى‪ ،‬و ُتق ِصيها‪ ،‬فيدخل أستاذ‬
                                         ‫الأخذ بمذهب مقارن أو عدم‬            ‫ل ُيحاضر ويشرح حتمية قانون‬
     ‫البشرية‪ ،‬أم هي أصل سابق‬          ‫التقيد بمذهب واحد في التقنين‪،‬‬         ‫الحركة بين الأجسام‪ ،‬من خلال‬
  ‫من الله والعلاقة فيها بين اللفظ‬    ‫أو الخروج عن ذلك بالتركيز على‬
                                    ‫«مقاصد الشريعة» وعلى «المصالح‬              ‫علاقات سببية بين الظواهر‪،‬‬
    ‫والمعنى علاقة أوقفها الله؟ أو‬    ‫المرعية»‪ ،‬فإن المعتقدات وأصولها‬      ‫ويدخل بعده أستاذ يشرح مذاهب‬
     ‫كيف ُنج ِّذر فكرة القانون‪ ،‬أو‬     ‫ظلت ساحة يتم الاقتراب منها‬          ‫الفلسفة الحديثة وأهمية الفلسفة‬
‫المسؤولية الفردية وفكرة الحقوق‬       ‫على استحياء بدرس علمي نقدي‬            ‫والمنطق‪ .‬ليدخل أستاذ «العقيدة»‬
    ‫المدنية‪ ،‬دون التعرض‪ ،‬لفاعلية‬       ‫لا ينطلق من الدفاع عن مذهب‬
 ‫الإنسان وقدرته على خلق أفعاله‬        ‫ضد المذاهب الأخرى‪ ،‬بل ينطلق‬               ‫أو «التوحيد» ليلغي ما قاله‬
‫ليصبح مسؤو ًل عنها؟ كيف نبني‬        ‫من فهم معتقدات الآخرين حسب‬            ‫الأستاذان السابقان‪ ،‬ويقول إنه لا‬
‫علم عن الكون وعن الحياة فيه أو‬        ‫منطقها ومنطقهم‪ ،‬وليس لمجرد‬
‫عن الإنسان‪ ،‬أو علوم في الاجتماع‬     ‫إصدار حكم قيمي عليها بالصحة‬             ‫موجود سوى الله‪ ،‬ولا فاعل في‬
‫البشري أو في السياسة‪ ،‬على بنية‬                                            ‫الكون سوى الله‪ ،‬وأنه ليس هناك‬
‫من التصورات ليس للإنسان فيها‬              ‫أو الضلال‪ ،‬بل للاستيعاب‬          ‫علاقة بين سبب ومسبب‪ ،‬بل هي‬
‫فاعلية‪ ،‬وليس لظواهر الكون فيها‬        ‫والتمثل ثم التجاوز لها معرفيًّا‪.‬‬    ‫علاقة نسبية على سبيل ما تعودنا‬
   ‫قانون أو حتمية سوى الفاعلية‬
  ‫الإلهية التي ليس لح ِّدها حدود‪،‬‬        ‫إن قرن ونصف من عمليات‬                   ‫عليه‪ ،‬لكن المسبب هو الله‪.‬‬
 ‫ولو حتى من داخلها؟ فهل يمكن‬           ‫التجديد الفقهي ومن الإصلاح‬                ‫ثم يدخل أستاذ آخر بعده‬
 ‫أن يكون مرور أربعة عشر قر ًنا‬       ‫الديني‪ ،‬وقرن من إنشاء جامعات‬           ‫ويشرح مذهب المعتزلة والشيعة‬
     ‫على مقتل الإمام وعلى تحزب‬         ‫«مدنية حديثة»‪ ،‬وما يقرب من‬             ‫الجعفرية والإباضية والشيعة‬
 ‫الأحزاب مناسبة لإعادة النظر في‬     ‫قرن من عمليات تحديث للمدارس‬             ‫الزيدية كمذاهب لفرق مسلمين‪،‬‬
‫هذه الأبنية وتصوراتها وأصولها‪،‬‬                                               ‫وأستاذ الفكر الفلسفي الحديث‬
   ‫وكونها تصورات لاهوتية أكثر‬            ‫والمعاهد الدينية التراثية‪ ،‬بل‬     ‫يتحدث عن الوجودية والوضعية‬
‫ما هي تصورات مبنية على أسس‬            ‫وما يقرب من قرن من مساعي‬              ‫المنطقية والبنيوية‪ ..‬إلخ‪ ،‬ويدخل‬
                                       ‫التقريب بين مذاهب المسلمين‪.‬‬        ‫أستاذ التوحيد ليقول لهذا الطالب‬
                ‫علمية ومعرفية؟‬                                               ‫إن كل هذه فرق شاذة وضالة‬
                ‫والله أعلى وأعلم‬        ‫ومثلها من جهود للحوار بين‬         ‫ومنحرفة‪ ،‬عن دين الوسطية الذي‬
                                     ‫الأديان‪ .‬كل هذه الجهود ضعيفة‬         ‫كان عليه النبي والصحابة‪ ،‬وعليه‬
                                                                              ‫الأمة‪ ،‬ومن المهم مواجهة هذا‬
                                        ‫الثمار وقليلة النتاج‪ ،‬وأتصور‬
                                          ‫أنها‪  ‬لن ُتثمر ثما ًرا تؤثر في‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138