Page 136 - merit 38 feb 2022
P. 136

‫العـدد ‪38‬‬                       ‫‪134‬‬

                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

                      ‫الأندلس‪.‬‬     ‫كان يتحصل له مما يحرثه أتباعه‬      ‫تحديد رحلات الششتري ‪-‬كما‬
     ‫نترك الرحلة المادية بندوبها‬                ‫له في أراضيهم»(‪.)8‬‬   ‫يذهب إلى ذلك محقق ديوانه علي‬
 ‫وشجونها لنرحل مع متصوفتنا‬                                            ‫سامي النشار‪ -‬فمما لاشك فيه‬
    ‫بالخطاب وفي الخطاب‪ ،‬حيث‬          ‫تختلف دوافع الرحلة لاختلاف‬     ‫أنه زار مكناس وفاس(‪ ،)5‬كما زار‬
   ‫السفر مكون هو ما يجعل من‬         ‫التجارب الحياتية لدى المتصوفة‪،‬‬   ‫قابس وعاش في رباطها مدة من‬
   ‫الرحلة (نسغ) الرؤية للوجود‬                                         ‫الزمن‪ ..‬ثم ذهب إلى مالقا ومنها‬
    ‫والموجودات‪ ،‬وفي هذا الصدد‬           ‫وإن كانت هذه الدوافع تعود‬     ‫إلى طرابلس حيث عاش مدة من‬
  ‫يطالعنا ابن خاتمة بهذه الأبيات‬       ‫في مجملها إلى طبيعة المجتمع‬
  ‫من قصيدة طويلة له خمس بها‬        ‫الأندلسي ‪-‬غداة انهيار الحضارة‬        ‫الزمن كذلك‪ ،‬وبعدها رحل إلى‬
  ‫قصيدة الشيخ شهاب الدين بن‬             ‫العربية الإسلامية في الغرب‬  ‫القاهرة حيث أقام معتك ًفا بالجامع‬
    ‫أبي عبد الله بن الخيمي‪ ،‬جاء‬        ‫الإسلامي‪ ،-‬ولعل من أبرزها‬
                                      ‫الدوافع السياسية التي جعلت‬          ‫الأزهر وتردد على كثير من‬
                          ‫فيها‪:‬‬      ‫السلطة المركزية تشجع الفقهاء‬           ‫الأديرة بمصر والشام(‪.)6‬‬
   ‫مالي وما لفؤاد إن أرضه عسا‬       ‫السنيين‪ ،‬وتناوئ المتصوفة ذوي‬
                                       ‫الميول الشيعية‪ ،‬وذلك لتأمين‬       ‫ومن نماذج الرحلة الصوفية‬
        ‫وخاطر كلما غربته أنسا‬                                           ‫الأندلسية نجد الرحلة الحجية‬
     ‫ومدمع كلما كفكفته انبجسا‬                ‫استمراريتها في الحكم‪.‬‬
  ‫يا صاحبي قد عدمت المسعدين‬           ‫وفي ظل هذه المناخات المحافظة‬       ‫التي تضارع تجربة الجهاد‪،‬‬
  ‫فساعدني على وصبي لا‪ ،‬مسك‬                                              ‫ومستند التجربتين م ًعا رؤية‬
                                         ‫ما كانت لتقبل بعض أفكار‬        ‫واحدة تجعل من الحج جها ًدا‬
                       ‫الوصب!‬          ‫هؤلاء المتصوفة‪ ،‬خاصة ذوي‬     ‫«لمن استطاع إليه سبيلا»‪ ،‬خاصة‬
 ‫يا حاذي العيس رف ًقا في السرى‬       ‫النزوع الفلسفي‪ ،‬من مثل القول‬    ‫أن مكابدة مشاق الطريق ووعثاء‬
                                     ‫بالحلول والاتحاد‪ ،‬وهي الأفكار‬  ‫السفر هي معاناة للنفس والجسد‪،‬‬
                           ‫بهم‬        ‫التي تخالف الشريعة في بعض‬        ‫بل إن طبيعة الظرف السياسي‬
     ‫هم بقايا جسوم فوق مثلهم‬          ‫الأحكام(‪ ،)9‬وهي كذلك الأفكار‬       ‫الذي مرت به الأندلس‪ ،‬ربما‬
     ‫وأنت أي ًضا وقاك الله من ألم‬   ‫التي قادت المتصوف ابن سبعين‬          ‫جعلت من الصوفية أبرز من‬
   ‫بالله إن جئت كثبا ًنا بذي سلم‬   ‫إلى شن هجوم مضاد على الفقهاء‬       ‫يقوم «بالتحريض على المشاركة‬
‫قف بي عليها وقل لي‪ :‬هذه الكثب!‬     ‫والأشاعرة والمتصوفة (السنيين)‪،‬‬    ‫فيه»(‪ .)7‬ومن هنا كان القصد إلى‬
‫ولتنزلن بي لديها لا ضللت سرى‬                                          ‫الحج مناسبة للحث على الجهاد‪،‬‬
                                           ‫كما قادته إلى الرحيل عن‬     ‫تلك كانت حالة أبي مروان عبد‬
                                                                     ‫الملك بن إبراهيم بن بشر القيسي‬
                                                                    ‫اليحاسني من ولاية المرية (المتوفي‬
                                                                         ‫سنة ‪667‬ﻫ) الذي «كان من‬
                                                                    ‫مذهبه السياحة في الأرض ليتصل‬
                                                                         ‫بالشيوخ والسلاطين‪ ،‬وهكذا‬
                                                                      ‫زار المشرق والمغرب عدة مرات‬
                                                                      ‫حا ًّجا ومتص ًل ببعض سلاطين‬
                                                                       ‫المغرب‪ ،‬ليحثهم على الجهاد في‬
                                                                      ‫الأندلس‪ .‬وحينما كان يرجع إلى‬
                                                                       ‫سكناه بالأندلس يقيم مجالس‬
                                                                      ‫الذكر ويحتفل بالعيد احتفا ًل ذا‬
                                                                     ‫أبهة‪ ،‬يحضره الناس من غرناطة‬
                                                                     ‫والمغرب‪ ،‬معتم ًدا على كسبه الذي‬
   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141