Page 175 - merit 38 feb 2022
P. 175

‫‪173‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫مرحلة تاريخية‪ ،‬وفي تأصيل‬                             ‫كيدها‬            ‫فكر أبي العلاء‬
     ‫سلطة الحاكم الدنيوية‪،‬‬            ‫وعدوا مصالحها وهم‬                  ‫السياسي‬

 ‫مرفوض من جانب المعري‪،‬‬                             ‫أجراؤها‬           ‫رصد طه حسين مناهضة‬
  ‫فقد كان الارتباط قو ًّيا بين‬  ‫ومن هنا نعلم أن أبا العلاء لا‬      ‫أبي العلاء الفساد السياسي‪،‬‬

      ‫ال ِّدين وبين الممارسات‬     ‫يرى الملك ولا وراثته وإنما‬        ‫فقد انتقد السلطة‪ ،‬فالحكام‬
      ‫ال ِّسياسية عبر التاريخ‬   ‫يرى التشاور والديمقراطية‪،‬‬          ‫في عصره ‪-‬كما كان يراهم‪-‬‬
   ‫الإنساني‪ ،‬ثم حدث تطور‬
   ‫لدرجة الانفصال التام في‬           ‫كما يراها الجمهوريون‪،‬‬              ‫جماعة فوضى ورذيلة‪،‬‬
                                    ‫فأما سخطه على القدماء‬             ‫يتبعون هواهم ويقهرون‬
       ‫بعض المجتمعات(‪.)45‬‬         ‫والمحدثين من الملوك فكثير‬
‫ويرى أبو العلاء أن البعد عن‬                                              ‫الرعية ظل ًما وينعمون‬
‫الحكام أفضل‪ ،‬يقول في ذلك‪:‬‬                  ‫في اللزوميات(‪:)44‬‬            ‫بخيرات البلاد‪ .‬وكانت‬
                                    ‫قالوا سيملكنا إمام عادل‬           ‫للمعري آراء سياسية بها‬
   ‫توحد فإن الله ربك واحد‬         ‫يرمي أعادينا بسهم صارد‬             ‫الكثير من الجرأة‪ ،‬عرضها‬
        ‫ولا ترغبن في عشرة‬                                               ‫في مؤلفاته وكتب عنها‬
                ‫الرؤساء(‪)46‬‬            ‫والأرض موطن شره‬                  ‫طه حسين‪ ،‬فأبو العلاء‬
                                                  ‫وضغائن‬             ‫ينكر الملك ووراثته في عهد‬
  ‫فهنا يري أن يؤثر الإنسان‬                                            ‫يسيطر فيه النظام الملكي‬
     ‫العزلة إن كان راغبًا في‬    ‫ما أسمحت بسرور يوم فارد‬
     ‫الكمال‪ ،‬فالوحدة أقصي‬        ‫وقد انتقد أبو العلاء السلطة‬                      ‫الاستبدادي‪.‬‬
        ‫صفات الله‪ ،‬والعزلة‬                                         ‫ويهاجم أبو العلاء الحكام في‬
                                   ‫السياسية واستغنى عنها‪،‬‬          ‫عهد الاستبداد ويقول فيهم‪:‬‬
   ‫أفضل من معاشرة الملوك‬           ‫ويعجب طه حسين بوعي‬
     ‫والصعاليك والعامة(‪:)47‬‬                                           ‫يريد رعية أن يسجدوا له‬
                                     ‫المعري الفلسفي الأخاذ‪،‬‬          ‫ومن شر البرية رب ملك‪..‬‬
  ‫تذال كراسي الملوك وطالما‬      ‫ووقف أبو العلاء من السلطة‬             ‫الملك يفنى ولا يبقى لمالكه‬
  ‫غدت وهي تحمي بالعوالي‬                                            ‫أودى ابن عاد وأودى نسره‬
                                  ‫الدينية موق ًفا ناق ًدا‪ ،‬فانتقد‬
                ‫مروجها(‪)48‬‬      ‫الدين كأيديولوجيا وشعائر‪،‬‬                              ‫لبد(‪)43‬‬
    ‫ويشيد أبو العلاء بالعقل‬                                              ‫وسخط أبو العلاء على‬
    ‫ويعترف بسلطانه‪ ،‬وهذا‬           ‫وندد ببعض رجال الدين‪،‬‬               ‫ما رأى وما قرأ من ظلم‬
     ‫ما يشيد به طه حسين‪،‬‬        ‫فهو قد وصل إلى قناعة تامة‬            ‫الملوك والأمراء ما دعاه إلى‬
   ‫فقد أعجب باعتزاز المعري‬                                            ‫التفكير في مصدر السلطة‬
   ‫بالعقل‪ ،‬فهو أعز ما وهب‬          ‫بأن الفساد سار في جميع‬           ‫التي أتيحت لهم‪ ،‬فلم ير لها‬
                                  ‫الأمم بسبب التدين الأعمى‬          ‫مصد ًرا إلا الأمة التي مكنت‬
      ‫الإنسان‪ ،‬وهو الهادي‬                                           ‫حكامها ليقوموا بمصالحها‬
 ‫للمعارف‪ ،‬فلا حاجة للناس‬            ‫والتمسك برداء الدين في‬             ‫العامة‪ ،‬فأي تجاوز لهذه‬
 ‫إلى إمام معصوم كما يدعي‬        ‫اتباع نهج الظلم والاستبداد‪،‬‬        ‫القاعدة يقع فيه الحكام كا ٍف‬
 ‫الشيعة‪ ،‬فالعقل كفيل ببيان‬                                            ‫لمقتهم والوقوف ضدهم‪،‬‬
                                   ‫وأن الكذب عامل مشترك‬
        ‫ذلك‪ ،‬قال أبو العلاء‪:‬‬     ‫بين جميع الأديان‪ .‬وهذا ما‬                         ‫وفيه يقول‪:‬‬
 ‫خذوا في سبيل العقل تهدوا‬        ‫أورده في لزومياته المتكررة‬           ‫مل المقام فكم أعاشر أمة‬
                                 ‫حول أصول الدين والعقائد‬           ‫أمرت بغير صلاحها أمراؤها‬
                     ‫بهديه‬                                            ‫ظلموا الرعية واستجاروا‬
‫ولا يرجون بغير المهيمن راج‬         ‫والعبادات والشعائر وعن‬
                                                      ‫الإله‪.‬‬
  ‫ولا تطفئوا نور المليك فإنه‬
         ‫ممتع كل من حجى‬             ‫وموضوع توظيف الدين‬
                 ‫بسراج(‪)49‬‬           ‫لصالح السياسة قديم‪،‬‬

                                   ‫واستخدام السلطة الدينية‬
                                   ‫كقناع وغطاء لمنظومة من‬

                                     ‫المصالح المتعددة في كل‬
   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180