Page 90 - merit 38 feb 2022
P. 90
العـدد 38 88
فبراير ٢٠٢2
خالد إسماعيل
معاش مبكر
خمس سنوات ُتس َّمي الأسطي حمدى ،وفي مجتمع -1
المصنع شركة مصر للأسمدة ،كنت العامل النقابي
..أنت تعاني من آلام البروستاتا ،وتصحو في
المناضل ،المنظم في حزب شيوعي سري. الليلة الواحدة عدة مرات لتتبول ،وتعاني من آلام
يوم أن تقدمت بطلب المعاش المبكر ،عاتبك الرفيق
الكحة المصحوبة بالبلغم والدم ،شعيرات دموية
نعيم: تنفجر مع كل كحة ،وأنت فعلت هذا بنفسك ،كنت
-كده إنت بتخون الطبقة العاملة ،كده بتمسح في سنوات المراهقة تخوض حر ًبا ضد والدك ،كان
تاريخك كله ،بعدما كنت بطل ..هتبقي مسخة!
لكنك كنت قد ضعفت ،واهتز إيمانك بالماركسية يحاول منعك من الإدمان على التدخين ،ويحكي
اللينينية ،والنضال ضد «البرجوازية العميلة» لك عن الخراب والضرر الذي أصاب حياته بسبب
والكومبرادور ،بعد أن انفجر الحزب الشيوعي الذي
كنت عض ًوا فيه ،وكان نضالك داخل المصنع مرتب ًطا التدخين ،وأنت تزداد إصرا ًرا ،حتى أصبحت
بانتمائك الحزبي ،كنت تخاطب العمال بخطابك تدخن ستين سيجارة في اليوم الواحد ،وعرفت
الحزبي ،وتسعي لبناء خلايا الحزب داخل المصنع، طريق الخمر والبانجو والحشيش ،والآن ،هجرت
ونجحت في بناء أربع خلايا ،كانت تهز الإدارة ،كلما الكيوف مرغ ًما ،وتعيش كهولة قاسية ،حصلت
وقع احتجاج عمالي ،خلايا ،أنت الذي اخترت رفاقها على المعاش المبكر ،وأصبح دخلك الشهري لا يكفي
ورجالها ،وعلمتهم قوة المنهج العلمي ،وإيمان احتياجاتك ،وأولادك الأربعة ،لا يذوقون اللحم إلا
العامل بالطبقة التي ينتمي إليها ،كل هذا النضال ناد ًرا ،وفي أسابيع كثيرة ،تعيش -أنت وهم -على
ضاع في الهواء بعد الانقسام الذي دمر الحزب، هياكل صدور الدجاج ،والفول والطعمية ،وفلوس
وتزامن الخراب الحزبي مع انهيار صحة زوجتك -الدكان -الذي فتحته في غرفة الجلوس في شقتك،
صباح عطية ،شقيقة الرفيق مجدي عطية ،كنت في
اجتماع حزبي في بيته ،ورأيتها ،وأبديت إعجابك مستفي ًدا بكونها في الدورالأرضي ،قليلة ج ًّدا،
بها ،وتم الزواج على أرضية النضال ،وهي ساعدتك وسكان العمارة والعمارات المجاورة يشترون
كثي ًرا ،لتظل العامل المناضل ،الذي يلتف العمال بضاعتك من باب الذوق والمساعدة ،وأنت أصبحت
كسير النبرة ،تخاطب الجميع بالأدب والاحترام،
حوله في الأزمات. وتجامل الكل ،وتصلي صلواتك في المسجد ،والناس
انهيار صحة صباح ،أفسد حياتك الخاصة ،وانهيار في الحي ينادونك الحاج حمدى ،وأصبحت ترتدي
الجلباب السعودي الأبيض ،وتضع على رأسك
الحزب شوش تفكيرك وأضعف روحك ،وقررت الشال الأبيض ،والسواك والمصحف الصغير ،في
لنفسك: جيبك العلوي ،والسنة النبوية -القولية والفعلية-
صارت منهجك ودستورك في الحياة ،وكنت قبل
-أحسن حاجة أسوي معاشي وأتفرغ لتربية