Page 89 - merit 38 feb 2022
P. 89
87 إبداع ومبدعون
قصــة
أعلى أثناء مرور جنازة أمام المقهى .عقولهم تائهة دهاليزه ،وفي نيويورك تم دفن نحو مليون من جثث
الموتى الذين لم يطالب بهم أحد في مقابر جماعية لا
في مناطق مختلفة تقع بين القارات السبع بعي ًدا عن
جاذبية الأرض .فجأة قطع أبو جابر حواره مع أنور تحمل علامات ،في جزيرة هارت المخصصة لدفن
الفقراء والمجهولين .تكررت ظاهرة المقابر الجماعية
الذي اندفع مسر ًعا يطارد الصبي .بدت الدهشة في مدينة قم الإيرانية رغم ادعاء الحكومة بأن مراسم
الشديدة على وجه حسن الذي كان يتأمل ما يحدث الدفن الإسلامية أجريت على الموتي .في إحدى القرى
وكأنه لا شأن له به ولا يعنيه في شيء .طمأنته قائ ًل: المصرية امتنع الأهالي عن تشييع جنازة رجل مات
بالكورونا ودفنه في بداية الجائحة ،وقد حمل جوزيف
-ولا يهمك يا ابو علي .أجيب لك ساندوتش غيره ستالين ووزير خارجيته على أكتافهما النعش الذي
حا ًل. كان يحمل رفات العبقري مكسيم جوركي وأنا لم
أجرب -ولو لمرة واحدة -أن أساهم في حمل جثمان
بدأ الراديو يذيع تعلي ًقا على نشرة أخبار الكورونا. أي ميت ،كما لم أجرب محاولة الفهم الصحيح للفرق
بين الحياة والموت في عالم يسوده العبث .بدأ أهالي
لجأت بعض دول أوروبا إلى استغلال ملاعب الهوكي الموتى المصابين بالكورونا يتهاونون بشأن الجنازات.
الجليدية لحفظ الجثامين بها قبل دفنها .أصبح الوضع في المستقبل لن تكون هناك جنازات .على الميت أن
يدفن نفسه هر ًبا من طبائع الخلق .حضرت جنازة
مأساو ًّيا في إيطاليا وإسبانيا .صورت وسائل التواصل موظف صديق يدعى أشرف .في صوان العزاء سمعت
الاجتماعي مقاطع فيديو لجثث ملقاة في الشوارع في زميلين له يتحاوران بصوت خفيض .يبدو أنهما كانا
أنحاء الأكوادور وظهرت الجثث على جوانب الطرقات يحترمان حرمة الموت:
-الحمد لله .أصبحت درجته الآن شاغرة.
بالمستشفيات والشوارع وعلي الشواطىء وفي مقالب
-لقد طال انتظاري لها من زمان.
القمامة .الإنسان .البشر .الناس .البنو آدميين. -لكني أحق بها منك.
-كيف وأنا الأقدم؟!
تركت مئات الجثث لعدة أيام في المخازن والشوارع
-العبرة بالكفاءة وليست بالأقدمية.
والمنتزهات العامة ملفوفة بالبلاستيك الأسود لعجز ختم المقرئ تلاوته وبدأ يرتجل خطبة وعظية
تقليدية يرددها في المآتم التي يحضرها ،فتلقى
المقابر عن التلبية وانهيار القطاعات الصحية ،وعاد القبول والاستحسان من المعزين .يهزون أدمغتهم
يمينًا ويسا ًرا دلي ًل على تصديق ما يقال حتى لو لم
أنور إلى المقهى بعد أن عجز عن الإمساك بالفتى. يصدقوه .استبد به الحماس في لحظة علا بها صوته
سارع بتغيير مؤشر المحطة بعصبية .ظهر الصبي وراح يصيح صار ًخا:
-أين أنت الآن يا أشرف؟ أين أنت الآن يا أشرف؟
مرة أخرى في أقصى الميدان يجري مسر ًعا وهو وعلي الفور خ َّر ساق ًطا من مقعده على الأرض .مات..
يقضم الرغيف بشراهة متحد ًيا الجميع وقال حسن وعندما ذهبت إلى صوان النساء لأصطحب زوجتي
وهي الصديقة الحميمة لزوجة الراحل .سمعتها تسأل
بهدوء شديد:
زوجتى:
-الملك فاروق كان يحب اللحمة. -ما هي إجراءات الحصول على الميراث؟
ثم وقف محر ًكا يديه بقبضتين مضمومتين هات ًفا: وكان أبو جابر واق ًفا يؤنب أنور لأنه تأخر في إحضار
تعميرة معسل ،وأنور ينظر إليه بلا عينين ويستمع
-يعيش جمال عبد الناصر. اليه بلا أذنين .وقف الجميع شاهرين سباباتهم إلى
وكان أبو جابر يصيح في وجه ابنه السمين الخائف
دائ ًما من لا شيء:
-اشتغل يا جبان يا ابن الحمار.
بينما كان حسن يهمس مح ِّد ًثا كائنات هلامية لا يراها
أحد سواه:
-كل سنة وانتم طيبين.
ثم قام متسلِّ ًل في صمت إلى الشجرة .تمدد تحتها على
الأرض .وضع نعليه المهترئتين تحت رأسه وأعطي
ظهره للكون.