Page 84 - merit 38 feb 2022
P. 84
العـدد 38 82
فبراير ٢٠٢2
سعيد سالم
المتباعدون
لو لم يكن مقصو ًدا .الله الرحيم لا يمكن أن يؤذي في بداية الفزع من الوباء باعد أنور بين مقاعد المقهى
عباده .استلب الفيروس من المشايخ والكهنة دورهم طب ًقا للإجراءات الاحترازية التي ترددت مرا ًرا بالإذاعة
وأحط من شأنهم .يقولون إن الله يعاقب عباده على
كثرة ذنوبهم .يبررون قولهم بأن الفيروس لم يترك والتلفزيون .لم يعد الرواد يتصافحون .اكتفوا للتحية
بل ًدا في العالم دون أن يصيبه ولو بدرجات متفاوتة. بإشارات الأيدي عن بعد .انفضت موائد الطاولة
الله عدل عادل فكيف يعاقب شعوب الأرض الفقيرة
والكوتشينة والدومينو ومنع تدخين الشيشة .هجر
مثلما يعاقب الشعوب الغنية التي تعيش في رخاء كثير من الرواد المقهى بعد أن أصبح طعمها ماس ًخا
ووفرة على استنزاف خيرات الشعوب الأخرى؟ وأصبح أصحابها يشتكون بمرارة من نقص الغلة.
تعيش عاطفتا الأمومة والأبوة مأساة كبري خو ًفا بعد مرور عام على ظهور الوباء ورغم عدم اختفائه إلا
على الأولاد والأحفاد .الأولاد والأحفاد يعيشون في أن المصافحة باليد قد عادت ،وأصبحت مقاعد المقهى
رعب خو ًفا على أمهاتهم وآبائهم وأجدادهم .أحدث متقاربة وكثر الملتفون حول لاعبي الطاولة والشطرنج
التواجد الجماعي الإجباري في البيت شيئًا من وكأن شيئًا غير عادي لم يحدث .من حق كلمة التباعد
التقارب والتفاهم بين أفراد الأسرة .تبين للبعض أن تحصل على لقب كلمة القرن الحادي والعشرين.
أنه لم يكن يعرف شيئًا عن البعض الآخر الذي هو لم تستخدم هذه الكلمة قبل ظهور الكورونا لانتفاء
من دمه ولحمه وصهره ونسبه .كوارث الإنترنت وجود المبرر .أن تتباعد يعني أن تكون بعي ًدا بجسدك
والموبايل والأجهزة الإلكترونية التي دعمت التباعد
وسهلت الاتصال ،تحولت إلى أدوات حتمية للتواصل عن الآخرين كإجراء صحي حتمي .الذي حدث أن
والمعرفة لم يعد هناك غنًى عنها .النافع أصبح ضا ًّرا التباعد بين الناس قد تجاوز الجسد إلى الروح ،حين
والضار أصبح ناف ًعا .فلسفات القرن التاسع عشر ساد الخوف من الموت وسادت الكآبة وعم الاكتئاب
والقرن العشرين لم تفلح في العثور على تفسير لحال
الإنسان في ظل هذه الأزمة المفاجئة ولا لموقفه من والشعور بلا جدوى أي شيء.
الكون والحياة .الصلاة تحت حصار الفيروس جعلت أن أصلي الجمعة في مسجد علي بن أبي طالب بسموحة
الاقتراب من الله أم ًرا حتميًّا .التأمل في معني الحياة
والموت صار وجبة ذهنية تتكرر خمس مرات في اليوم وأنا نائم في فندق بالنرويج ،أو أصليها في بحري
عند المسلمين وعد ًدا آخر عند اليهود والمسيحيين. بمسجد المرسي أبو العباس من ستوكهولم ،فالأمران
الملحدون ليس لديهم سوي تفسيرات علمية عاجزة عن
التوصل إلى وسيلة ناجعة للقضاء على الفيروس .ثبت يتساويان عند متأمل دؤوب ممل مثلي .هل خاف
من تأملي لحالهم أنهم أضعف المخلوقات في مواجهة الناس من الموت أكثر من خوفهم من واهب الحياة؟
الجائحة عقليًّا ونفسيًّا. أن تأخذ بالأسباب خير من أن تركن إلى اليأس
وتستسلم له فتموت حيًّا .كيف أعيش وفي ذات الوقت
لا ألقي بنفسي إلى التهلكة .أصبحت الحياة في مجملها
مجموعة من التبريرات المتناقضة .تأكد للإنسان أنه
إشكالية الإنسان .ثقلت لفظة الحب على الألسنة .لم
أنس يو ًما مقولة الأنبا كيرلس أن في البعد جفوة حتى