Page 88 - merit 38 feb 2022
P. 88
العـدد 38 86
فبراير ٢٠٢2
أن أتحرر من ملابسي الخارجية والداخلية أبدأ في تساقط معظمهما في كوب الشاي .وضع الورقة ببقية
التحرر من جلدي ولحمي وعظمي .أتحول إلى روح محتوياتها في جيبه من جديد.
-كم عمرك يا حسن؟
شاردة تستوعب الكون بما يحوي من أسرار. -أربعة.
وقفت امرأة ممسكة بملاءتها لتخفي بها جانبًا من -تقصد أربعة وخمسين؟
-أربعة.
وجهها .عندما لمحها أنور أسرع نحوها باهتمام. -أتسكن هنا في سيدي جابر؟
همست في أذنه بكلمات من المؤكد أنها كانت جا َّدة.
هز رأسه علامة قرب نفاد صبره ،ثم أخرج من جيبه استدار قلي ًل عن جلسته .راح ينظر إل َّي تارة وإلى
عدة جنيهات أعطاها لها فانصرفت راضية .خمنت أنها الأفق الدموي البعيد تارة أخرى .بذلت أقصي ما لد َّي
زوجته رغم أن ما يحدث من حولي لا يعنيني كثي ًرا. من جهد حتى أتوصل إلى أي خيط يجمع بين شتات
الاستغراق في لا شيء لا يفرق بين الصمت والضجيج
حتى حين أطفو من حين لآخر إلى أي شيء ،فإن حبل جمله المتتابعة كطلقات الرصاص:
التأمل لا ينقطع ،ويظل الحال هو الحال .كل شيء “ -ضابط كبير .رتبة .جسمه يشبه البغل .البنت
صحيح في مكانه الخطأ. سقطت من القطار .ضرب نار .نزلت في المطار.
جاء أنور حام ًل رغيف الكفتة .وضعه أمام حسن أعطوني علقة كلب في جامع .مالي أنا بالناس .قلت لها
وانصرف في حيادية بجموده المعتاد .انتظرت أن اقعدي في البيت يا بنت الكلب .لم تسمع الكلام .دمه
ينقض حسن على الرغيف فيلتهمه بشراهة ،لكنه أهمله ساح قدامي .خمسة وعشرين سنة .مظاهرة خمسين
وكأنه لم يره على الإطلاق. مليون .يا جاه النبي .أنا آكل الحديد .هو حر .أنا
-كل يا حسن. يلزمني أعيش .غني مبسوط وارث شحات هو حر.
-لكن كله إلا الظلم .أنا كسرت دماغه قراقيش. ربك كريم منه لله .منكم لله ياكفرة!”.
-يا ساتر. العالم الفوضوي الذي يأتي فيه جنود من آخر الدنيا
ليحتلوا بل ًدا آخر ثم يشنقون رئيسه ثم يعودون إلى
-رموني في السجن .ياما قلت لها اقعدي في البيت.
-للأسف لم تسمع كلامك. بلادهم بدون حساب ،هو نفس العالم الذي جعل
حسن يقول هذا الكلام .حين أشركني في تحمل
-نسوان يعني مصايب .إنت فاهم .هه؟! لو كان مسئوليته -حسبما اعتقدت بعد فضفضته الغامضة-
عندي منها عيل كان شوى لي لحمة. أشعلت له سيجارة متمنيًا لابتسامتي أن تتحرر من
-فع ًل. برزخها .أدخل أكثر من نصف السيجارة في فمه.
سال لعابه على ورقها .راح يسحب أنفاسها في تواصل
-قلت لك مقاسي أربعة وبيتي مفتوح لكل فقير. شره حتى سقط نصفها على الأرض .التقطه ووضعه
-ربنا يبارك لك. في كوب الشاي .أخذ يقلب ما تبقي في الكوب من ماء
وشاي وطعمية وتبغ محترق وغير محترق .ألقى
-حتى خوفو كان فاتح مكتبه للشعب. بالنصف المتبقي على الأرض وظل يدهسه بقوة لمدة
-هو خوفو كان عنده مكتب يا ابو علي؟
طويلة.
-آه يا كلاب يا أولاد الجزمة. فجأة صاح رواد المقهى ابتها ًجا بهدف كروي شاهدوه
كان أنور في تلك اللحظات مثلي الأعلي في حيادي
التاريخي ،أما انشغال قلبي بين الحيرة والغضب على شاشة التلفزيون الذي يتصدر موق ًعا علو ًّيا
والاستسلام والأمل فقد أوكلته إلى رب القلوب. بالمقهى ،بينما انبعث من الراديو -المجاور له -صوت
انشقت الأرض فجاة عن صبي وسيم لا يزيد عمره
عن عشرة سنوات .لا ينم ملبسه عن فقر أو حاجة. بلووري متوهج لمنشدة دينية شعبية تغنى:
انقض على المائدة وخطف الرغيف قبل أن يلمسه “عمرانة يا بوابة واصحابك طيبين”
حسن .طبائع البشر الذين يحتلون كل مساحات
اهتمامي تطاردني بإلحاح وأنا لا أشكو من الزائدة “راحوا يزوروا النبي ورجعوا سالمين”
الدودية .جرى بسرعة في اتجاه المسجد مختفيًا بين أعمق لحظات التأمل هي تلك التي أعيشها عار ًيا .بعد