Page 29 - merit 53
P. 29

‫‪27‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

                                                                ‫‪ -3‬الرمزي في‬
                                                                   ‫العتبات‬

                                                                ‫نقدم مثا ًل لما ذهبنا إليه‬

                                                                ‫نتمثله من خلال قصيدة‬

                                                                ‫«عذاب الحلاج» والتي‬

                                                                ‫تتضمن القصائد التالية‪:‬‬

                                                                ‫«المريد»‪« ،‬رحلة حول‬

                                                                ‫الكلمات»‪« ،‬فسيفساء»‪،‬‬

                                                                ‫«الصلب»‪« ،‬رماد في‬

                                                                ‫الريح»(‪ .)10‬فمن خلال‬

                                                                ‫الرقم المودع على يمين‬

                                                                ‫العنونة نكتشف أصداء‬

                                                                ‫العتبة الفرعية المنبثقة عن‬

                                                                ‫العتبة المركزية ونعني‪:‬‬

‫رضا بن حميد‬  ‫عبد الوهاب البياتي‬                     ‫كاميل تارو‬      ‫«عذاب الحلاج»‪ ،‬وهي‬
                                                                ‫القصيدة التي تحتل المرتبة‬

                                      ‫التناقض‪.‬‬      ‫الثانية في ديوان «سفر الفقر والثورة»‪ .‬ولئن كانت‬
‫كما تعترضنا عناوين داخلية مضمنة داخل عناوين‬
‫الدواوين ومنها‪ :‬عنوان قصيدة «في جوف الحوت»‪،‬‬         ‫هذه العتبة فرعية فإنها تظل بعد تفكيك النص‬
‫ولكن قبل خوض القارئ في سؤال العتبات المتصل‬
                                                    ‫وتفحصه النقطة الاستراتيجية المهمة فيه‪ .‬ومن هذا‬
  ‫بقصيدة «في جوف الحوت» يتحتم عليه أن يكون‬          ‫المنطلق فقد أصبح العنوان علامة سيمائية و ِب ْن َي ًة‬
  ‫على قدر من المعرفة المسبقة بأسفار العهد القديم‪،‬‬   ‫دال ًة على أصداء النص‪ .‬ومن ثمة تجري علاقات‬

      ‫والهدف من ذلك أن يقف المؤول على مواطن‬         ‫متداخلة في مستوى تصريف العتبات على فضاء‬
‫تصرف حاوي في قصة النبي يونان ويتبين السبب‬
                                                    ‫الصفحةـ هذه الحركة هي التي تمنح النص حياة‬
     ‫وراء إهماله لبعض الأحداث والحقائق المهمة‪.‬‬
     ‫وفي قراءة أولى للعتبات نتبين أن للنص ذاكرة‬                 ‫جديدة‪.‬‬
 ‫تختلف عن ذاكرة القصة الدينية الواردة في العهد‬
   ‫القديم‪ ،‬فخليل حاوي كسر منطق الأحداث‪ ،‬فهو‬         ‫وعند تجاوز قراءة العتبات والالتحام بالنص‬

      ‫يصنع لنصه ذاكرة أخرى تقوم على المخالفة‬        ‫سرعان ما تعود هذه العتبات من جديد في صورة‬
‫والجريان في اتجاهات مختلفة‪ ،‬فمن العنوان تتفرع‬
                                                    ‫أخرى‪ ،‬وهي صورة الماضي المتخفي في لباس‬
  ‫اللغة وتتناسل الكتابة‪ ،‬وهو هوية النص واسمه‪،‬‬
     ‫فكما دخل يونان في بطن الحوت فعلى القارئ‬        ‫الحاضر‪ .‬فعملية إنتاج الغائب تكتسح النص الحادث‬

   ‫الانسراب في جوف القصيدة‪ .‬وقد ورد العنوان‬         ‫باستمرار‪ ،‬وهو ما نلحظه في عناوين دواوين خليل‬
  ‫مركبًا بالجر ابتدأ بالحرف‪ :‬في‪ ،‬المحيل على المكان‬
   ‫القابل للامتلاء والدخول‪ ،‬وقد يحيل هذا المركب‬     ‫حاوي التي قامت على الفصل والربط في آن‪ ،‬وهذا‬
 ‫كذلك على القاع البعيد المظلم‪ .‬وهو من وجهة نظر‬
   ‫أخرى ارتباط بالزمن الأول‪ .‬هكذا يتفرع الواحد‬      ‫يبدو جليًّا من خلال ما أحدثه من تراكيب تبدو‬
                                                    ‫متصارعة‪ .‬غير أن الوجه الأول من العنوان لا‬

                                                    ‫يمكن تمثله إلا بحضور الوجه الثاني‪ .‬وقد وسم‬

                                                    ‫خليل حاوي عناوين دواوينه كالتالي‪« :‬نهر الرماد»‪،‬‬

                                                    ‫«الناي والريح»‪« ،‬بيادر الجوع»‪« ،‬الرعد الجريح»‪،‬‬

                                                    ‫«من جحيم الكوميديا»‪ .‬وتقوم عناوين الدواوين على‬

                                                    ‫صراع مستمر بين الحياة والموت‪ ،‬وكأن بالشاعر‬

                                                    ‫يشتق من اللغة مولو ًدا جدي ًدا أو هو كيان ركب من‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34