Page 28 - merit 53
P. 28

‫العـدد ‪53‬‬                          ‫‪26‬‬

                                                   ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

  ‫من الضروري الربط بين المتن والهامش‪ ،‬وبذلك‬                   ‫‪ -2‬العتبات رهانا جديدا‬
‫أضحى الهامشي المسكوت عنه في الأعراف القديمة‬                     ‫لفهم النص الحديث‬
‫يجري مجرى المركز‪ .‬من هنا تتأتى جمالية القراءة‬
                                                   ‫لقد أضحت مقاربة النص انطلا ًقا من علاقة الداخل‬
   ‫من خلال ما ُتحدثه هذه العتبات من كسر لأفق‬           ‫بالخارج أم ًرا حتميًّا‪ ،‬أو لنقل إن فضاء الصفحة‬
    ‫انتظاراتنا من خلال هدمها لقديم سنن الكتابة‪،‬‬        ‫الماثل للعيان هو نتيجة لدينامية الدلالة الداخلي‪.‬‬
‫وبذلك تخرج العتبات «من تخوم الصمت إلى مملكة‬
 ‫الكلام‪ ،‬وهي في رحيلها بين الكلام تغدو ن ًّصا على‬  ‫فأول ما يعترض القارئ عند مباشرته لفعل القراءة‬
‫نص‪ ،‬ومغامرة لا تقل قيمة عن مغامرة الكتابة»(‪.)9‬‬                           ‫الفضاء الخارجي للصفحة‪.‬‬
‫فالعتبات التي طالما كانت في حكم الهامش أصبحت‬
    ‫من المفاتيح الهامة لقراءة الدلالة‪ .‬وبهذا حظيت‬          ‫ويرى أستاذ الجامعة التونسية المختص في‬
‫دراسة النصوص على اختلافها من منظور عتباتي‬              ‫دراسة عتبات النص الحديث رضا بن حميد أن‬
    ‫باهتمام النقاد الذين نظروا إلى النص الشعري‬        ‫العتبات تعتبر مكو ًنا أساسيًّا من مكونات النص‬
 ‫باعتباره مرايا متعاكسة‪ ،‬فما السواد إلا طر ًفا من‬   ‫«تحمل رؤية للعالم والكتابة‪ ،‬وتضيئ جوانب عدة‬
   ‫البياض‪ ،‬كذا العتبات وقد أضحت طر ًفا أساسيًّا‬        ‫من النص‪ ،‬وتعرفنا بالظروف الحافة بالخطاب‪،‬‬
   ‫يشكل هوية النص‪ ،‬بل قد يزيح ما يبدو رئي ًسا‬      ‫وبالخلفيات المعرفية والأبعاد الاجتماعية والتاريخية‬
   ‫ليحتل موقع المركز‪ .‬فقيمة النص لم تعد حبيسة‬           ‫التي تترك أثرها في النص بينة‪ ،‬وتساعدنا على‬
    ‫ذاته وإنما بما يدور في فلكه‪ .‬وهو ما يعني أن‬        ‫فهم مظانه‪ ،‬وتساهم في مقروئيته»(‪ .)8‬ومن هذا‬
  ‫الحفر في العلائق النصية بين القصيدة وعتباتها‬
 ‫يغني مبحث الدلالة ويعمق فهمنا ويجعلنا نقبض‬              ‫المنظور تمنحنا تجربة البحث في عتبات النص‬
                                                    ‫الشعري الحديث طري ًقا مغاي ًرا يحفزنا على تقصي‬
                      ‫على شفرات شعرية النص‪.‬‬        ‫خصوصيات الكتابة الفنية وقد تجسدت على بياض‬
‫هكذا تميز فضاء الكتابة بإيقاع ْين متنازعين‪ ،‬فضاء‬   ‫الورقة ِبني ًة قائمة ون ًّصا ثانيًا يشير إلى النص الأول‬

  ‫اكتسحته العتبات ‪-‬بل نجد هذه العتبات غالبًا ما‬                                    ‫دون أن يسميه‪.‬‬
   ‫تحتل فضاءات مهمة حيث تتراجع القصيدة إلى‬              ‫وبناء على ما سبق فقد أصبحت قراءة العتبات‬
‫الوراء‪ ،-‬وفضاء آخر جعلته القصيدة مستق ًّرا لها‪،‬‬      ‫ومساءلتها تجسد رها ًنا جدي ًدا لمقاربة الدلالة من‬
 ‫فالعتبات تنازع القصيدة من أجل استقطاب لحظة‬        ‫خلال الحفر في مختلف الصلات بين فضاء العتبات‬
                                                     ‫من عناوين وإهداءات وتصديرات‪ ،‬وفضاء النص‬
           ‫البصر الأولى‪ ،‬ومن ثمة احتلال المركز‪.‬‬         ‫باعتباره علامة كبرى تدور في عمقه وخارجه‬

                                                                                           ‫علامات‬
                                                                                    ‫صغرى‪ ،‬وبهذا‬

                                                                                       ‫لا فكاك من‬
                                                                                     ‫تفجير المخبوء‬

                                                                                          ‫وتفحص‬
                                                                                     ‫طبقات المعاني‬

                                                                                        ‫انطلا ًقا من‬
                                                                                           ‫الغلاف‬

                                                                                         ‫الخارجي‬
                                                                                           ‫وهيأته‬

                                                                                          ‫الظاهرة‪.‬‬
                                                                                       ‫وبناء على ما‬
                                                                                       ‫تقدم أصبح‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33