Page 15 - تدبرات قرآنية وتأملات نورانية
P. 15
الباب الثاني عشر
قال الله تعالى َو َق َض ٰى َر ُّب َك َأ اَّل َت ْع ُب ُدوا ِإ اَّل ِإ َّيا ُه َو ِبا ْل َوا ِل َد ْي ِن ِإ ْح َسا ًنا ۚ ِإ َّما َي ْب ُل َغ َّن ِعن َد َك ا ْل ِك َب َر َأ َح ُد ُه َما َأ ْو ِكاَل ُه َما َفاَل َت ُقل َّل ُه َما ُأ ٍّف َواَل َت ْن َه ْر ُه َما َو ُقل
َّل ُه َما َق ْواًل َك ِري ًما َوا ْخ ِف ْض َل ُه َما َج َنا َح ال ُّذ ِّل ِم َن ال َّر ْح َم ِة َو ُق ْل َر ِّب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما َر َّب َيا ِني َص ِغي ًرا [الإسراء آية]24-23:لأن البر بالوالدين من أهم
الواجبات وأجل الطاعات واعظم القربات اكتب وأبحث من خلال هذه الآيات عن :
-سر اقتران التوحيد للهفي الأمر بالإحسان إلى الوالدين.
-المعنى العميق لكلمة إحسانا والحكمة من التعبير بها.
-من صور العقوق التلفظ بكلمة أف الدلالةمن هذه الكلمة ومعانيها وخطورتها.
-العلة من تخصيص (ال ِك َبر) في الآية.
-المقصود بالقول الكريم الوالدين وماذا يعني.
-كيفية خفض الجناح للوالدين وسر ارتباط الجناح بالذل.
-الوصايا الست الخاصة بالوالدين التي ذكرت في الآيات باختصار.
سر اقتران التوحيد للهفي الأمر بالإحسان إلى الوالدين:
فكأنه سبحانه وتعالى يقول بما أنني أيها الإنسان أنا خالقك على هذا الكون فإن الوالدين هما السبب في وجودك عليه وعليك أن تؤدي
حقهما بعد أدائك حقي ،ولهذا فإن بر الوالدين يعتبر من الأعمال الجليلة في الإسلام وقد جعلت الشريعة الإسلامية عقوقهما وعدم الإحسان
إليهما من الكبائر.
المعنى العميق لكلمة إحسانا والحكمة من التعبير بها:
وأمركم أن تحسنوا إلى الوالدين ،فلما حذفت " أن " تعلق القضاء بالإحسان ،كما يقال في الكلام :آمرك به خيرا ،و أوصيك به خيرا ،بمعنى :آمرك
أن تفعل به خيرا ،ثم تحذف " أن " فيتعلق الأمر والوصية بالخبر
من صور العقوق التلفظ بكلمة أف الدلالةمن هذه الكلمة ومعانيها وخطورتها:
الدالة على التضجر والمعنى ك ّل ما غلظ من الكلام وق ُبح .وقال آخرون :الأ ّف :وسخ الأظفار والتف ك ّل ما رفعت بيدك من الأرض
من شيء حقير و هي إهانة شديدة الخطورة لله تعالى.
العلة من تخصيص (ال ِك َبر) في الآية:
فتق ّدم الس ّن يؤ ّدي إلى اختلال المزاج وسوء الخلق ،وضيق الصدر ،ما ينعكس على تصرفاتهما التي تتخذ جانب ًا سلبي ًا ضد الناس الذين يعيشون
معهما ،لا سيما أولادهما الذين يشعرون بالضيق من ذلك ،فيحدث ـ بسببه ـ ر ّد فعل سلب ٍّي تجاههما ،ما يوجب صدور الإساءة منهم إليهما ،لأن
القوي عاد ًة يضغط على الضعيف ويؤذيه ويهينه ،وبذلك نفهم أن الكبر ليس له خصوصي ٌة في ذاته ،بل الخصوصية له بلحاظ ما يستتبعه من
تصرفا ٍت تؤدي إلى ردود فع ٍل سلبي ٍة من قبل الولد.
المقصود بالقول الكريم الوالدين وماذا يعني:
وهذا هو الخط العملي الثاني الذي يثير في الإنسان الإحساس به ،عندما يستشعر الإحساس بالله ،فإذا كان الله هو السبب الأعمق في وجوده،
فإن الوالدين يمثلان السبب المباشر لهذا الوجود ،وإذا كان الله هو الذي أنعم عليه بكل النعم التي جعلت لحياته ق ّو ًة واستمرار ًا ،فإن الوالدين
قد عملا بكل ما لديهما من جه ٍد ومعانا ٍة وتضحي ٍة في سبيل تحريك عناصر الامتداد في عمق وجوده .وهكذا أراد الله للإنسان أن يعي هذه
الحقيقة في علاقته بهما ،ويوحي لنفسه بالسر العميق الكامن وراء ذلك ،والمتج ِّلي في ما أودعه الله في قلبيهما من الشعور بالعاطفة
والرحمة اللتين تتميزان بالعطاء دون مقابل ،فيعانيان الألم والتعب من أجل أن تتكامل حياة ولدهما وتلتذ وترتاح ،بكل رو ٍح ط ّيب ٍة معطاء.
كيفية خفض الجناح للوالدين وسر ارتباط الجناح بالذل:
وذلك يمثل التواضع والخضوع قولًا وفعلًا ب َّر ًا بهما وشفق ًة عليهما ،كما يخفض الطائر جناحه إذا ضم فرخه إليه ،فكأنه ـ سبحانه ـ قال :ضم أبويك إلى نفسك كما كانا
يفعلان بك وأنت صغير ،وبذلك نفهم كيف لا يريد الله للولد أن يستثير ح ّس الكرامة في نفسه تجاه أبويه كما يستثيره تجاه الآخرين ،بل لا بد له من أن يشعر بالذل
الناشىء من الشعور بالرحمة لهما ،لا من الشعور بالانسحاق الذاتي والانحطاط الروحي ،كما يخضع الإنسان لمن يحبه حب ًا له ورحم ًة به ،فيتحمل منه ما لا يتحمله من
غيره ،ويتنازل له ع ّما لا يتنازل عنه للآخرين ،ويعيش العفو والتسامح معه إذا أخطأ .إنها الروح الإنسانية التي تنفتح على مواقع الرحمة ،فتهفو وتر ّق وتلين وتنساب
بالخير والمحبة والسماح ،وتعرف كيف تميز بين مشاعر الرحمة ومشاعر الذ ّل أمام الآخرين ،فتواجه الذين أحسنوا إليها واحتضنوها بالمحبة والرحمة بالشعور الطاهر
الخ ِّير نفسه ،لتستمر حركة الإنسانية نحو العطاء ،من خلال مواجهتها بالاعتراف الح ّي بالجميل ،بالمشاعر التي تحفظ لها كل ما عملته من الخير.
الوصايا الست الخاصة بالوالدين التي ذكرت في الآيات باختصار:
عبادة التوحيد -الإحسان إليهم -البر إليهم -التلطف معهم -التواضع لهم ذلا لهما -ورحمة بهم.
⑬ القرآن الكريم -موقع فضيلة الشيخ خالد